يمكن أن نتصور الأنا أو فكرتنا عن أنفسنا مثل بالون قابل للتسرب، فهو دائما وأبدا بحاجة لضخ هيليوم من المحبة الخارجية ليبقى منتفخا، وهو دائما وأبدا فريسة سهلة لأصغر ثقوب الإهمال، وإنه لأمر منطقي وعبثي في آن واحد ذلك الحد الذي يصل إليه ارتفاع معنوياتنا أو انخفاضها بناء على اهتمام الآخرين أو إهمالهم لنا، فقد يسود مزاجنا لأن زميلا لنا حيانا وهو شارد الذهن، أو لأن الطرف الآخر لم يجب اتصالنا الهاتفي، كما أن لدينا القدرة على الاعتقاد بأن الحياة تستحق أن تعاش لأن شخصا ما تذكر اسمنا أو أهدانا باقة ورد، ونظرا لعدم ثبات صورتنا الذاتية، فليس من المفاجئ أن نشعر بالقلق إزاء الموضع الذي نشغله في هذا العالم، سواء من الزاوية المادية أو الشعورية أيضا، والأخيرة قد تكون الأهم، لأننا نهتم بالزاوية المادية كمفتاح أو معيار يحدد كمية الاهتمام أو التقدير الذي سنتلقاه ممن حولنا، والذي سيحدد بدوره لاحقا ما إذا كنا نستطيع أن نحب أنفسنا أم نفقد الثقة بها، وهذا الموضع هو السلعة ذات الأهمية الفريدة بالنسبة لنا، أي استقبال المحبة الخارجية التي من دونها لن نكون قادرين على الثقة في شخصياتنا أو التمسك بها، ولذلك يعد اهتمام الآخرين مهما لنا لأننا بحكم طبيعتنا مبتلون بتذبذب اليقين نحو قيمتنا الخاصة، ونتيجة لهذا فنحن ندع تقييمات الآخرين تلعب دورا حاسما في الطريقة التي نرى بها أنفسنا، وإن إحساسنا بالهوية أسير في قبضة أحكام من نعيش بينهم، إذا أضحكتهم نكاتنا ارتفعت ثقتنا في سرعة بديهتنا، وإذا امتدحوا آراءنا ازداد إيماننا برجاحة تفكيرنا، وإذا تحاشوا نظراتنا في اجتماع ما، أو بدا عليهم عدم الاكتراث، فربما نسقط في فخ من مشاعر فقدان الثقة في النفس وانعدام القيمة، ويبدو وكأننا نحتفظ في داخلنا بمجموعة من الرؤى المتعارضة حول تقييمنا الذاتي، وفي قلب هذه الحالة من تأرجح التقييم غالبا ما نتجه نحو العالم الأوسع من أجل حسم المسألة، حيث نرصد بدقة العلامات الدالة على البراعة والغباء والطرافة والبلادة، ويتسبب الإهمال بتعزيز التقييم السلبي لأنفسنا، في حين أن ابتسامة أو مجاملة تنشط داخلنا التقييم المقابل بالسرعة ذاتها، وكأننا مدينون لعواطف الآخرين التي لولاها لما احترمنا أنفسنا، وقد لا يمكن ابتكار عقاب أكثر قسوة من أن ينطلق المرء ساعيا في مجتمعه دون أن يلاحظه أحد بالمرة، فإن لم يلتفت لنا أحد عندما ندخل مكانا، وإن لم يجبنا أحد عندما نتكلم، أو لم يعبأ أحد بما فعلنا، وتم تجاهلنا كما لو كائنات شبحية، فسرعان ما سيتصاعد بداخلنا نوع من الحنق واليأس العاجز الذي يكون عذابه أقسى تعذيب، وقد يكشف لنا ذلك أن الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطا بما نملكه من سلع مادية أو نحوزه من سلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقاه نتيجة للمكانة العالية، فمن الممكن تثمين كل من المال والشهرة والنفوذ كإشارات رمزية للحب ووسائل للحصول عليه، وليست كأهداف في حد ذاتها، ولهذا فالكثير يعتبر المكانة الاجتماعية من أثمن المتع الدنيوية، والقليل منهم من يعترف بذلك صراحة، وربما يكون الاعتراف الشجاع هو الخطوة الأولى لترشيد هذا القلق، واستثمار طاقته بشكل أفضل.
LamaAlghalayini@