ثانيا: من المفترض أن يكون واضحا لكل من يتعاطى مع هذه العملية، أن يدرك بأن أطراف التطبيع لا تعلن في العادة الأسباب الحقيقية وراء التطبيع، لأن هناك أمورا ومتغيرات قد تشكل تحالفات او مواقف تضر بمصالح دول، او قوى أخرى لا يتيسر ولا يستحسن الإعلان عنها.
ثالثا: من الواقعية النظر إلى أي عمل تطبيعي بين الجانبين العربي وخاصة الخليجي منه، والجانب الإسرائيلي بالرعاية الأمريكية المعلنة والمعروفة، ينتج عنه مصالح وفوائد لكل الأطراف، هذه الفوائد أو المكاسب بطبيعة الحال تختلف في شكلها وحجمها وتأثيرها من بلد إلى آخر. فهناك من يحقق مكاسب آنية ومباشرة تنعكس إيجابا على أوضاع داخلية مثل ما يحدث في الحالتين الأمريكية والإسرائيلية، وهناك مصالح تتبلور على المديين المتوسط، والطويل. كما في الحالة الخليجية، خاصة فيما يتعلق بمسألة الأمن الإقليمي، وتبدل طبيعة التحديات التي تواجه الدول في المنطقة، وهذه القضايا ذات ارتباط لصيق بالمصالح الوطنية المباشرة، يضاف إليها مصالح قد تتبلور على المدى الطويل تتسع فيها الدائرة لتشمل الأمن القومي العربي، ومصالح الأشقاء العرب وبخاصة الفلسطينيين حيث تبقى فلسطين ومحاولة السعي بتحقيق مطالب شعبها بعدا مهماً في أهداف صناعة العمل السياسي الخارجي للدول العربية وخاصة لدول الخليج، ويؤكد هذه الجزئية السلوك السياسي الدولي المصري والأردني الذي لا يزال يضع البعد الفلسطيني ضمن خياراته السياسية الأولية رغم قدم تجربته في التطبيع مع الجانب الإسرائيلي.
وفِي خانة مسارات التطبيع جدير بِنَا النطر في أمرين مهمين في رأينا هما: الأول: طبيعة حركة العلاقات الإقليمية في العقود الأخيرة، وطبيعة الأخطار الناشئة والمتوقعة منها. وهذه الخريطة تبين لنا كمراقبين مستقلين بروز ثلاث قوى إقليمية تتصارع وتتألف، تختلف وتتفق بحسب تقاطعات المصالح فيما بينها. وقد جعلت هذه القوى المنطقة العربية ساحتها المفضلة للصراع ولتقاسم النفوذ والمصالح، وللسيطرة والهيمنة، ولأبعد من ذلك تفكيك بنية الدولة العربية التقليدية والضعيفة بنيوياً وسياسيا في معظم الحالات. حتى بلغت اللعبة الإقليمية مداها بالتجريب بخلق دول وفاعلين ما دون الدولة ينتهجون الاٍرهاب والعنف لتنفيذ مصالح ومطامع ورغبات هذه القوى.
ثانياً: احتقان البيئة الدولية وتحول كثير من الأفعال الدولية في الفترة الأخيرة إلى حالة من الصراع المكشوف أو شبه المكشوف. وبروز ملفات المنطقة العربية ودولها في هذا الصراع كملفات ثانوية في اهتمام القوى المتصارعة سواء التقليدية والقديمة منها، أو الناشئة والمتطلعة إلى دور أكبر، وأعمق على الساحة الدولية. ولكن بقيت نقاط جوهرية في حسابات القوى الدولية أعطت درجة ما من الأهمية للمنطقة العربية ودولها، من ذلك الموقع الجغرافي، وتركز الثروات الطبيعية فيها. وعلى الرغم من ذلك لم تشفع هذه العناصر للدول العربية بأن يتم اتخاذ قرارات حاسمة من القوى الكبرى للتأثير على مواقف الدول الإقليمية التي تدير مشهدا دراميا وشديد التعقيد على الدول العربية.
قد يقول البعض إن التطبيع لن يكون الحل السحري والوحيد لكل هذه المعطلات والأزمات العربية، وهذا صحيح إلى حد بعيد، ومع ذلك فقد يكون هذا الخيار هو الاتجاه الإجباري في هذه المرحلة، التي كثر فيها الخصوم، وتكالبت فيها الظروف على العرب للأسف.
salemalyami@