وطوال مسيرة نصف قرن، حمل العبيد رحمه الله عناده وإصراره ومرونته التي استطاعت أن تفهم السعودي وتطلعاته وتواكب الانفتاح بأصالة نافذة عانقت الألوان واصطادت الضوء واقتنصت اللحظات العابقة بروح الحياة والمحبة لتنشر في كل لوحة سكونا يحاكي الكثير وعمقا يستدرج العين للبحث عن توليفة مختلفة كل من تعمق فيها أدرك العشق والشغف الذي جعله يتفرغ للفن وينبش خياله ليعبر عن الذات المحلقة في سماء الجمال.
لم يكتف العبيد رحمه الله بالنقل بل استطاع التنقل والبحث في المدارس الفنية مستلهما من طبيعة الصحراء صبرها ومن الرياح هبوبها الممتد بين الحواس والأفكار ليصنع اللون في تراكيب مختلفة وبكثافة معبرة، وهو ما جعله يمتاز بابتكاراته التي أسست للمدرسة الطيفية التي عبرت نتاج التأمل البصري والخبرة البصرية في صراعها بين الخيال والفكرة والحقيقة حتى امتزجت وتمكنت من خلق رؤى بصرية تجددت وهي تنطلق من خلال الفرشاة والحركة لتعبر نحو المساحات بعمق روض الفراغ ومفاهيمه.
وظل العبيد وفيا لأسلوبه الفني وهو يتفاعل مع مدارس التشكيل ويحاكي اللون بالرسم فقط، وكانت له مساهماته في التواصل مع رواد الحركة عن طريق الحلقات والنقاشات والبرامج والأنشطة التي كانت وبقيت روحا علمتنا التعاون والعمل والاستفادة، وذلك من خلال مشاركاته في جمعية الثقافة والفنون برئاسة لجنة الفنون التشكيلية وإشرافه على قسم الخط والفنون والرسم بالتليفزيون السعودي وغيرها من المساهمات التي خلقت بينه وبين كل الأجيال تواصلا وحضورا.
لقد تمكن سعد العبيد من ترك بصمة وأثر وتاريخ له حكمة الصحراء في تعليم أبنائها أن الحقيقة جمال وأن الطبيعة ابتكار وأن الوطن الذي يتماهى بنا يخلق فينا روح التفاعل والبحث والابتكار والتميز.
العبيد بأخلاقه الإنسانية كان أبا وأخا وصديقا للجميع، كان الفن جزءا من منزله حيث اقتص منه صالة فنية، ومستودعا لأعمال الكثير من فناني المملكة، الذين لا يثقون إلا به وبمعارضه وملتقياته، أشرف على الكثير من المعارض لكثير من الجهات والوزارات، لا أنسى أبدا استقباله لي ودعمي بكل المعلومات الفنية واستعراضه لأهم المعارض الفنية الإنسانية التي كتبت بها أول مقال.
ما يتميز به في جميع معارضه وصالته هي الجداول الدائمة بالتاريخ والعمل والتفاصيل، كان التعامل منظما مع شخصية خدمت وأعطت الفن التشكيلي أكثر من خمسة عقود.
رحم الله فقيد الساحة الثقافية السعودية والعربية وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
yousifalharbi@