لا أدعو للقضاء على الزراعة، لكن فرض سياسة زراعية مستدامة، من خلال ترشيد استخدام المياه الجوفية وتوظيفها وفق مجال آمن لصالح الأجيال القادمة، حيث استدامة الزراعة تواجه تحديات ندرة المياه، ونضوب المياه الجوفية. فالكتاب يحمل المعلومات عن استنزاف المياه الجوفية، ويكشف واقع الممارسات التي أضرت، وذلك بدافع الرغبة في تحديد الأولويات، والبدء بالأهم قبل المهم، من منطلق أننا لم نرث الأرض ولكننا مستأمنون عليها.
خطواتنا في أمر الزراعة والمياه، يجب أن تكون محسوبة بدقة متناهية، من منطلق الحرص على طرح غايات أقل طموحا، وأكثر واقعية، تتناسب مع الموارد المتاحة، والمحدودة بطبيعتها.
الدعوة لإجراء خطوات التغيير والتصحيح حتى وإن كانت مرة وصعبة. الجرأة هي الأساس، والقرار الرشيد أشبه بالعملية الجراحية، لمعالجة أوضاع أصبحت حتمية لمستقبل المياه. فأمر أمننا الغذائي والمائي مرهون بسياساتنا الزراعية. فشعوب الأرض تحتاج لخدمات بعضها بعضا، ونحن جزء منها، ونستطيع تحقيق حد أدنى من بعض المنتجات التي نمارس زراعتها كمهنة، وليس كـ (استثمار) لتحقيق المكاسب في مرحلة محدودة، يعقبها انحسار تدفع ثمنه أجيالنا القادمة.
نحن من العالم الذي تشكل مصالحه صداقاته وعلاقاته، ولكل بلد ميزة نسبية تجعله متميزا عن غيره في كثير من الموارد، فهمنا أو تعايشنا مع هذه الحقيقة يساعدنا في تقوية نقاط قوتنا بدلا من إضعاف قوانا، واستنزاف مواردنا المائية المحدودة، وذلك إرضاء لأطماعنا في مجال الاكتفاء الذاتي.
إن استيعابنا الدرس مطلب لخلق مستقبل أفضل، يقود إلى حياة أفضل، في زمن أصبحت العولمة فيه هي التي تحكم، ومعها سيكون سلاحك هو ما تتميز به، بعيدا عن الاتكاء على المعونات والتسهيلات المجانية، لأن المنافسة تقوم على تساوي الإمكانات ومتطلبات الإنتاج والنجاح.
الكتاب أكد أن زراعة القمح والشعير، والأعلاف شكلت مثلثا استنزف القدر الأكبر من المياه الجوفية الثمينة، وشكل هدرا لا مبرر له في ظل ندرة المياه، مع الأخذ بإيقاف كل زراعة بهدف التصدير، وتقليص كل زراعة يفيض من إنتاجها فائض للتصدير.
آمل أن تساهم حقائق الكتاب في خلق القلق المشروع على المياه الجوفية، بهدف القضاء على ثقافة تبذير المياه في زراعات عشوائية، واندفاع زراعي غير مبرر. لقد أصبح القلق يستشري مع انخفاض منسوب المياه الجوفية، بالإضافة إلى جفاف جميع العيون الفوارة المشهورة. وخير مثال واحة الأحساء الشهيرة التي كانت تغل أكثر من (220) مليون متر مكعب في السنة، مع بداية العقد الثامن الميلادي، ولكنها جفت جميعها مع نهاية هذا العقد من القرن الماضي (1989). أي خلال عشر سنوات فقط.
في هذه الواحة كانت المياه تتدفق من فوهات هذه العيون لارتفاع يصل المترين فوق سطح الأرض، لكن منسوب هذه المياه انخفض، فأصبح بعمق يزيد على (25) مترا تحت سطح الأرض، مع بداية القرن الجديد عام (2000م)، وما زال انخفاض منسوب المياه يتواصل في هذه الواحة.
وبعد... أليس هذا نموذجا يثير القلق على مستقبل مياهنا الجوفية؟
DrAlghamdiMH @