اليوم وفي زمن الثورة التقنية، التي نعيشها نستطيع القول إن المعرفة تتغير وتتحول بسرعة فائقة حتى نكاد أن نقول إن توقفنا عن متابعة المستجدات في المعرفة خلال عام واحد كفيل بأن يدخلنا في حقبة الجهل، كما قال أحد المفكرين «العلمُ المستقر، جَهْلٌ مستقر».
إن التطور في مجال علوم الحاسب والتكنولوجيا أظهر لنا مفاهيم جديدة عن الأمية تجاوزت المصطلح التقليدي، فهناك اليوم الأمية التقنية، التي نقصد بها غياب المعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والأجهزة والمخترعات الحديثة وفي مقدمتها الكمبيوتر، كما أن تعريف هذا المصطلح يجب إعادة صياغته كل عام، وذلك بسبب سرعة التقدم التقني واعتماد البشرية عليها، فقد أضحى استخدام التقنية اليوم جزءا لا يتجزأ من حياة كل فرد في المجتمع، وبالتالي فإن تعريف الأمية التقنية اليوم يختلف عما سبق ذكره، ونستطيع نعرفها اليوم بأنها غياب الأمان في التعامل مع الآلات والأجهزة والمخترعات الحديثة بسبب عدم معرفة إمكانات وحدود التعامل معها.
إن ما نراه اليوم في مجتمعنا من استخدام مفرط للتقنية يصاحبه جهل كبير، هذا الجهل يتمثل في أمن الأفراد وجهلهم في مدى الضرر، الذي من الممكن أن يلحق بهم بسبب هذه التقنيات.
هنا لا أدعو إلى اعتزال التقنية؛ لأنه سيكون طلباً مستحيلاً ومناقضاً للتطور، ولكن أدعو إلى محاربة الأمية المتعلقة بالأمن التقني.
إننا نرى كل يوم في مجتمعاتنا البسيطة سواءً في العمل أو مع الأقارب العديد من ضحايا التقنية، فنجد مَنْ أُخترق بريده الإلكتروني، أو مَنْ أُخترق حسابه في تطبيق الواتس آب أو في أحد وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الأمثلة الكثيرة، التي أدت إلى أضرار كبيرة بهؤلاء الضحايا، كل هذا لم يكن بسبب قدرات إجرامية فريدة من المخترقين، بل مع الأسف كانت بسبب جهل المستخدمين في طريقة حماية أنفسهم، فتجد البعض مع الأسف يستقبل اتصالا هاتفيا من أحد المحتالين ويخلق له قصة وهمية، بعدها يقوم المستخدم بتسليم بياناته لهذا المحتال، الذي يستطيع من خلال هذه البيانات من الاستيلاء على جميع أمواله في البنوك، كل هذا بسبب الجهل.
إن درجة الجهل في هذا المجال مازالت كبيرة جداً، وهو ما يُعد خطراً كبيراً ليس على الأفراد فقط، بل وعلى الوطن.
اليوم يجب أن نقوم بدورنا في محاربة هذا الجهل، وأن نمحو الأمية التقنية في وطننا، كما حاربنا الجهل المتعلق بالمعرفة ومحوناه بفضل من الله.
إن محو الأمية بمفهومها التقليدي بدأ من المدرسة، وكذلك ستكون محو الأمية التقنية بإذن الله، حيث إن لدينا في مدارسنا وجامعاتنا أكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة عندما تتم توعيتهم وحمايتهم فكرياً وتمكينهم بالمعرفة التقنية اللازمة لفهم وتحليل المواقف الناتجة من استخدام التقنية، سيشكلون أقوى فريق لمحاربة هذه الأمية، وسينشرون هذه الثقافة لمَنْ يكبرهم سناً ومَنْ يصغرهم كذلك.
وختاماً نتمنى من وزارة التعليم أن تتبنى مثل هذه الأفكار وتطلق مشاريع ومبادرات تسعى للقضاء على الأمية التقنية في مجتمعاتنا.
@ali21216