احتفل العالم مؤخراً باليوم العالمي للمعلم، وهي الذكرى التي كانت قبل أيام تقديراً لهذه المهنة وصاحبها ودورها في الحضارة الإنسانية على مر العصور، فطالما كان هذا الدور هو الأكثر أهمية في تنشئة الأجيال وصناعة مستقبل الأمم، فما من أمة إلا وكان المعلم باني أجيالها ومربي أبنائها الذين تعدهم وتدخرهم لصناعة حاضرها ومستقبلها، وفي التراث الإسلامي ظل للمعلم دور كبير على مر العصور أداه المعلمون الرواد على أكمل وجه، وساهموا بذلك في تاريخ الأمة وفي حاضرنا المعاصر، ومع التحول إلى التعليم النظامي وضرورات مجاراة المستجدات العالمية في جميع المجالات العلمية والاقتصادية والحضارية ومواكبتها والمساهمة فيها والاستفادة منها أيضًا ازداد هذا الدور أهمية، ولذلك فقد اهتمت بلادنا بالتعليم بجميع مراحله وعملت على نشره وإقامة مؤسساته بكافة مراحلها للبنين والبنات على امتداد الوطن من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه.
وإذا كانت الظروف قد قضت في مرحلة من المراحل الاستعانة بإخواننا العرب من سائر الأقطار الشقيقة لأداء هذه المهمة، فقد حرصت الدولة وفي وقت مبكر على إعداد المعلمين والمعلمات السعوديين لأداء دورهم في هذا المجال، وتدرجت في ذلك مراعاة للظروف والأحوال بدءاً بمعاهد المعلمين الابتدائية ثم الثانوية ثم كليات المعلمين المتوسطة وصولًا إلى كليات التربية في الجامعات السعودية والتي تمد الميدان بحاجته من المعلمين والمعلمات المواطنين في كافة التخصصات بعد إعدادهم الإعداد الأكاديمي والتربوي الذي يمكنهم من أداء مهامهم على الوجه المطلوب، كما عنيت بتهيئة الظروف المادية والمعنوية التي تمكنهم من أداء دورهم بدءاً من سلم الوظائف التعليمية الذي يمنح المعلمين ميزات مادية عن شاغلي الوظائف الأخرى تقديرا لهذه الرسالة واعترافاً بطبيعة عملها ثم العمل على تطوير أدائهم من خلال برامج التدريب على رأس العمل والابتعاث إلى الكليات التربوية داخلياً وخارجياً، وإرسال الوفود منهم للاطلاع على التجارب الرائدة في مختلف أقطار العالم في المجال التربوي سعياً لنقلها والاستفادة منها، كل ذلك عزز مكانة المعلم، وجعل هذه المهنة مهنة جاذبة تشجع الشباب على ممارستها، وقد أثبت المعلمون والمعلمات والحمد لله كفاءتهم وقدرتهم، وتعزز انتماؤهم لهذه المهنة، مما ساعد على سرعة توطينها في جميع مراحل التعليم العام للبنين والبنات والحمد لله. وإذا كانت ظروف الجائحة التي يمر بها العالم هذه الأيام قد حدّت من فعاليات الاحتفاء بهذه المناسبة الهامة، بحيث اقتصرت على ما تسمح به الظروف فقد ظلت هذه المهنة محل تقدير المسؤولين والمواطنين والذي تجلى بموقف معالي وزير التعليم الذي حرص على توجيه كلمة بهذه المناسبة، أعرب فيها عن تقديره لدور المعلم وأهميته واحترام الوزارة والدولة لهذا الدور وعزمها على بذل كل جهد ممكن لتشجيع المعلمين وتحفيزهم وإعطاء هذه المهنة الأهمية الاجتماعية والرسمية والوظيفية التي تستحقها. ولعل ما يبعث على الاعتزاز والاحترام لهذه المهنة وأصحابها ما أبداه المعلمون والمعلمات من قدرة على الاستجابة السريعة للمستجدات والطوارئ التي رافقتها متطلبات عملية التحول إلى التعليم عن بعد بسبب ظروف الجائحة بحيث تستمر العملية التعليمية في أداء دورها والسعي لتحقيق أهدافها، والمتتبع لتقييم هذه المرحلة يجد أن هذه الجهود قد حققت نواتج طيبة استطاعت من خلالها المحافظة على وقت الطلاب وتجنب ضياع فرصة التعليم عليهم، كما سجل المعلمون أيضًا العديد من القصص الإنسانية المؤثرة في هذا المجال ليس أقلها ذلك المعلم الذي يرقد على سرير أبيض في أحد المستشفيات في جنوب المملكة حيث يعالج من مرض السرطان إلا أنه حرص رغم هذه الظروف أن يقوم بواجبه نحو الطلاب، وهناك الكثير من قصص الوفاء والانتماء لهذه المهنة الشريفة التي يزيد المعلمون بها قدراً في عيون المجتمع الذي ما زالت مهنة التعليم في نظره تستحق المزيد من الاحترام والتقدير.
ولا شك أن المعلمين يدركون أن هذا التقدير والاحتفاء الذي يلقونه من المجتمع والدولة يحملهم مسؤوليات كبيرة تتطلب منهم مزيداً من الانتماء إلى هذه المهنة وتطوير أنفسهم ليس في المجالات التربوية فحسب، بل أيضاً في استخدام التقنية وتطبيقاتها الميدانية، حيث إن استخدام هذه التطبيقات لم يعد ضرورة في الأحوال الاستثنائية كما هو حاصل الآن، بل إن التعليم الإلكتروني أصبح ضرورة حتى في الأحوال التي تسير فيها عملية التعلم في مؤسسات التعليم العام والعالي في الظروف العادية، لما لذلك من تعميق للفهم وإثراء المناهج والمقررات بالعلوم والمهارات والكفايات التي تواكب المستجدات العالمية في هذه المجالات، وهو الدور الذي حددته رؤية المملكة للمؤسسة التعليمية في تحقيق هذه الرؤية ورسم معالم مستقبل الوطن العظيم الذي نتطلع إليه جميعاً.
Fahad_otaish @