في البداية لا يعني أن من كتب عن مبدأ أو استنبط نظرية يستطيع تطبيقها وتحويلها إلى منتج بنفسه! فلو كان الأمر كذلك لمن كان هناك علماء يكتبون النظريات وآخرون يبدعون في التطبيق. فهل كان آينشتاين حين كتب نظريته النسبية يعلم أنها ستؤدي إلى اختراع القنبلة الذرية؟ وهل كان يعتقد أن النسبية ستصبح فلسفة في جوانب مختلفة من الحياة غير الفيزياء؟ لا أعتقد ذلك. والفيزيائي (لويس دي بروي) الذي حصل على جائزة نوبل 1929م بسبب نظريته (الافتراض بأن للإلكترونات طبيعة ازدواجية موجة أو جسيم) لم يتوقع أنه فتح باب (ميكانيكا الكم) على مصراعيه، فكل ما احتاج إليه هو عقله، وورق وقلم، وخيال مبدع! وجاء من بعده من طبق أفكاره في عدة مجالات، كالمجهر الإلكتروني مثلا.
وتساءل آخر بين التنظير والواقع، هل نعتقد أن كل أساتذة الاقتصاد في الجامعات أغنياء؟ طبعا لا! ولكنهم يدرسون ويعلمون النظريات الاقتصادية بينما غيرهم أقدر على تطبيقها على أرض الواقع، وهذا هو بيت القصيد.
فعندما نقرأ ونسمع عن تطوير وتنمية الذات، فنحن نستمع إلى نظريات بني بعضها على تجارب، وبعضها من أرقام وإحصائيات، وبعضها من استنتاجات. وعلينا أن نعرض كل ذلك على عقولنا ثم نأخذ منه ما ينفعنا، ونفصل منه ثوبا على مقاسنا لا على مقاس الآخرين. وهنا تبدأ المرحلة الفعلية للتطبيق لا للتنظير.
والأمر الآخر نحن نعلم أنه (رب مبلغ أوعى من سامع) و(رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) فقد يستطيع القارئ أن يصل إلى مراحل في تطوير حياته ونفسه لم يصلها المؤلف أو المحاضر. وكم من تلميذ سبق أستاذه، فأرسطو أصبح لقبه (المعلم الأول) وهو تلميذ أفلاطون لكنه كان أوعى من معلمه. والحقيقة أن همم الناس وعقولهم ليست متساوية، ولا الدوافع والأسباب.
ومؤلفو هذه نوعية من الكتب على مختلف توجهاتهم من الغرب والشرق لديهم أيضا معاناة وصعوبات مختلفة مروا بها، والعاقل منا من يقرأ ويسمع ويتعظ، ويحاول العمل جاهدا لنفسه بما يناسبها لتفلح. وحين تأتينا النصيحة من كتاب أو من محاضرة أو دورة، فالمسألة برمتها مناطة بنا في إيجاد أفضل كيفية لتطبيقها بما يناسبنا بأكثر من محاولة.
ومن الملاحظات أنه حين نستمر في قراءة هذه النوعية من الكتب من وقت إلى آخر سيكون لها تأثير إيجابي على المدى البعيد وليس القصير، فلا ننتظر نتائج فورية! ولكن من فوائدها تطوير طريقة تفكيرنا ونظرتنا للحياة حيث تصبح أكثر نضجا وانفتاحا.
ولعلنا نذكر بعضنا أن كتب التطوير لا تمنح أو تضمن السعادة لنا أو الراحة الدائمة! هي فقط ترشدنا لبداية الطريق والوسائل المؤدية إليها. وأما لمواصلة السير، فعلينا الاعتماد على أنفسنا في تجاوز عقبات الطريق. وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: وما استعصى على قوم منال... إذا الإقدام كان لهم ركابا.
وخلاصة القول، الكتب هي أدوات لفهم الحياة إذا عرفنا كيف نستخدمها ومتى نطبقها؟!
تويتر abdullaghannam@