ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى.
كلنا سمعنا هذا البيت الشعري، وتأثرنا به، فحياتنا مليئة بـ«ما لا يشترى»، فهل ما زلنا نستشعر قيمة تلك الأشياء؟ وفي عصر المادة، هل يطغى المال على تلك«الأشياء» أم ما زالت لا تشترى!
تركض بنا الحياة يوماً بعد يوم أسرع وأسرع، ننسى من حولنا تارة، وأصدقاءنا تارة، بل حتى عائلاتنا وأغلى ما نملك، وقد ننسى حتى أنفسنا ومبادئنا، ونصبح كالآلات، حتى أصبح كل هذا ليس حدثاً طارئا بل سمة من عصرنا الحالي.
جميل أن نهتم بحياتنا العملية، ولكن الأجمل أن نوازن بينها وبين حياتنا كلها، الشخصية والمهنية والنفسية، نضع أهدافاً ونسعى لتحقيقها، ولكن لا بد من وجودكم حولنا من يشاركوننا أفراح تحقيقها، يشعرون بالفخر كما نحن، والفرح كما نحن، فيزيدوننا سعادة، فما فائدة كل ما نفعله إن لم يكن سيشعرنا بالسعادة؟ وما طعم الحياة إذن إن لم نحقق فرحتنا وسكينتنا وإن كنا قد حققنا النجاحات والإنجازات؟.
تخيلوا أن في اليابان مثلاً هنالك شركات متخصصة بتأجير الأشخاص! تخيلوا! فمثلا إن أراد شخص ما التقدم لخطبة فتاة، فإنه يمكنه التوجه لإحدى هذه الشركات وطلب استئجار أبوين «مزيفين» لساعات محدودة، يقومان وكأنهما والداه الحقيقيان، ويسعيان لإقامة نفس فعاليات الزفاف، إلى حين انتهائه، ثم يأخذان أجرتهما ويذهبان، بكل هذه البساطة! حتى الأصدقاء والأحباب يمكن اسئجارهم، بل ويوجد العديد من الأشخاص يمكن استئجارهم بحسب طلبك وما ترغب به.
إذن هنالك أشياء لا تشترى، فحتى لو استأجرت أماً مثلاً، واعذروني على قسوة هذا المصطلح، فمن أين ستأتي بحنيتها وفطرة الأمومة وعاطفتها؟ ولو استأجروا صديقاً للتنزه، فكيف سيستأجرون الإخلاص والصدق والوفاء، نحن لسنا آلات، والله -عز وجل- لما خلق الخلق وضع لكل شيء مقياسا وميزانا، فكيف بنا أن نخل بهذا الميزان؟ ونخالف فطرتنا الإنسانية التي فطرنا عليها، فالصديق ليس سلعة ليستأجر، والأم والله أغلى من كل ذهب الأرض وخزائن قروشه، وضحكة رفيق دربك ستسعدك أكثر من ألف ألف درهم، بل وحتى كيف نهنأ بحياتنا ونحن لم نبلل بأول شتاء، ونشم رائحة البحر بعد شوق، ورائحة الحي الذي نسكنه، الذي يرجعنا إلى سنوات مضت! هنالك أشياء أغلى من كل المال!
الأب، والأخت، الابن والبنت، الصديق، ذلك المعلم، ومن ساعدني ليلة الأسبوع الماضي، ومن أعطاني كأس ماء لما كنت عطشان، والأم، وكل أولئك الذين لهم فضل علي بمساعدة بمشاعر، بحب أو عاطفة خفية، كيف أرد جميلكم؟ فأنتم فعلاً دائماً تذكروني بتلك الأشياء التي لا تشترى!
dinaalardhi