وفعلا اخترت مكاناً نائياً، وحططت مؤنتي في ليلة قمراء مضيئة وأجواء لطيفة تغلفها السعادة وبعض من الخوف!.
وعندما أوشك إعداد وتجهيز طعام العشاء على الانتهاء، ووضعت بعض ما قد نضج من الشواء على السفرة، وبينما كنت في هذه الجلسة الرائعة وشيئا من عدم الاطمئنان إذ تتسلط علي بليَّة، ولا أدري من أين جاءت؟!.
وهذه البليَّة التي هي ليست جناً، ولا إنساً، ولا ذئباً، ولا حيَّةً، أو عقرباً، ولكنها ويا للعجب «شَبَث» وهو نوع من العناكب، فكاد شعر رأسي يقف خوفاً وارتباكا!.
هذا الشَّبَث البشع العنيد المهاجم العدواني لا شك أنه من عجائب مخلوقات الله -عز وجل-، ولا أدري ما مدى خطورته؟!، فلا هو عقرب يلدغ، ولا شكله يطمئن النفس، إنه مخلوق تسلط علي وأثار الفزع في نفسي وعكر مزاج «أم الفكرة»!.
حيث كنت حينها مستعدا لتجهيز أدوات الكاميرا وإعداداتها، وإذا بالشَّبَث ينقض علي مسرعاً، فقفزت قفزة لا شعورياً وأطلقت ساقيّ للريح تاركاً له الكاميرا والمكان والجمل بما حمل، ولولا أن تذكرت أن بعضاً من الطعام مكشوفا على السفرة، وليس عليه غطاء يحميه من تلك البلوى لم أعد، ولهذا عدت إلى مكاني، وتأهبت متسلحاً بحجر في يدي، ولكنني ارتبكت عندما شاهدت ذلك الشَّبَث وهو ملتصق بالكاميرا، ولا يفصلني عنه سوى سنتيمترات، وكأنه ينتظر عودتي!. وبدأت المواجهة الحقيقية بين كر وفر، والمشكلة أني لا أستطيع أن أُصيبه، فكلما هويت بحجر عليه أخطأته، ويستطيع أن يراوغ ويلف حولي دون أن أراه وهو بنفس السرعة حتى أذقته أقسى العقاب!.
اكتشفت بعد تلك اللحظات العصيبة اكتشافاً منطقياً حيث إني كنت مُتدخلاً في خصوصياته، ولأني أنا الذي تسلطت عليه، وأتيته في مقره واقتحمت عالمه، لذا قررت إلغاء الفكرة تمامًا والتوبة ثم العودة، فما أجمل أن نراقب الذات وننهاها عن غيها وألا تتدخل في شؤون الآخرين!.
[email protected]