هناك من يرى أن مفهوم المدح والإطراء واحد، وهناك من يفرق بينهما ويجعل للمدح مفهوما والإطراء مفهوما آخر، فأما من ساوى بينهما فنظر إلى الغاية وهي انعكاس ذلك المدح والإطراء على نفس الممدوح أو المثنى عليه، حيث رأى أن الغاية ذكر المحاسن والسجايا والفعال الطبية، أما من فرق بينهما فنظر إلى أن الإطراء هو المدح في الوجه ومنه قولهم الإطراء يورث الغفلة يريدون المدح في الوجه، والمدح يكون مواجهة وغير مواجهة. (المرجع: الفروق اللغوية المؤلف: الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد أبو هلال العسكري)، يوجد صنف ثالث يفرق بين الثناء والمدح فيرى أن الثناء مدح مكرر ومنه قوله تعالى (سبعا من المثاني) الحجر: 87 أي سورة الحمد لأنها تكرر في كل صلاة، وهي اختلافات لها مبرراتها.
قصة العنوان وسببه ما سمعته يوما ما، من أحد الأشخاص الذين تربطني بهم علاقة مودة وصداقة ويحمل من السجايا والطباع الخيرة ما يعجز الإنسان عن الوصول إليها، قال لي ذات مرة: لدي نظرية تربوية. قلت له: ما شاء الله. أفدني الله يجزاك خير. قال: لا اعترف بالمدح أو الثناء أو الإطراء أو ما يسمي في المصطلح المعاصر (التعزيز والتشجيع والحوافز). قلت: ماذا تقصد؟. قال: الأصل أن الإنسان يفعل الشيء الصحيح دون منة أو انتظار مديح. فلماذا امدحه؟. ثانيا: مدح الآخرين على أفعالهم الصحيحة قد يؤدي إلى أمرين.. الأول: إصابته بالغرور من فعل عادي، الثاني: قد تكون هناك مساومة مستقبلا وكأن المستفيد الطرف الآخر.!. (انتهى الحوار).
قد يكون لدى صاحبي مفهومه الخاص، ولكن للأسف مفهوم خاطئ، ولا أدل على ذلك من أن القرآن الكريم أشاع ثقافة الإطراء على الأفعال تارة، وعلى الرجال تارة أخرى، مما يعني أن هذا لا يتعارض مع كون الأفعال والأعمال واجبة عليهم، لكن مراعاة القرآن الكريم لخصائص النفس وما تحتاج إليه من دفع بالهمة وتعزيز الرغبات في الخير لأقصى درجات المثابرة هو الذي جعل تلك الثقافة قرآنية ونبوية في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه. كقوله تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" الأحزاب: 23. فهذا من أبرز صور المدح للحي والميت.
أعود لأخي الذي كان سببا إيجابيا في كتابة هذه الأسطر، نعم للمدح الذي يفجر الطاقات في نفوس أبنائك، نعم للمدح الذي يقدم لشخص قام بفعل طيب وإيجابي (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، نعم للمدح الذي يسمعه موظف مخلص مبادر من مديره، نعم للمدح المستحق للابن الذي حقق تميزا دراسيا، نعم للمدح الذي يعزز الإبداع في بيئة العمل، نعم للمدح الذي يكون هدفه نبيلا وأسلوبه رائعا، نعم للكلمة الطيبة، نعم للمدح إذا كان سيؤدي إلى نجاح أو مبادرة أو تميز أو خدمة للناس أو استمرار في العطاء والبذل أو الصلاح والإصلاح.
وما أخشاه فقط من عدم التحلي بثقافة المدح، أن يكون دافعه الحسد أو الغيرة أو الرغبة في استحواذ المحاسن في شخصه فقط، ونصيحتي (حب الخير للغير يأتك الخير).
[email protected]