حاول أن تتزوج وأنت صغير، لأنك إذا كبرت ستعقل؛ والعاقل لا يتزوج!
ما لي أرى معظم الذين حذروني من أن يفوتني قطارُ الزّواج يُلقونَ بأنفسهم من نوافذه!
* عمر عنّاز - شاعر عراقي
ثمة اعتقاد في تحديد سن الرجل أو المرأة السن المثالي للزواج ليتسنى لهم ركوب القطار فلا يفوتهم! هل يعني ذلك أن المحطة لن تستقبل أية قطارات؟ وهل هو القطار الوحيد الذي يعبرها؟ حتى وإن كان تشبيهًا مجازيًا لغرض الإقناع! دعني أحاول الإجابة بذات اللغة. هل فكرت في الخسائر والعواقب نتيجة اللحاق بالقطار المزعوم؟ ماذا لو حصل تزاحم وتدافع كبير أمامه وهم غير مستعدين للصعود فسقطوا في سكته؟!
حكمة الله البالغة التي تقضي بتأخير النصيب إما في زواج أو إنجاب أو في الرزق عموما، يجب علينا الرضا والتسليم بها لكي نمنع تسرّب الخواطر البليدة ورسائل الشفقة ونظرات الأسى التي تحيل إلى مثل هذا الجهل!
لا أؤمن بفكرة الزواج المبكر في الوقت الحاضر لأن جوانبه الإيجابية لم تعد كما كانت في السابق!
اختلاف الجيل وتنوع اهتماماته وعدم قدرته على الصبر، والميل الواضح للهروب من المسؤولية كانت أحد أسباب التفريط في العلاقة، والجنوح بها للطلاق؛ غالبية الأجيال الصاعدة لم تواجه متاعب أو صعوبات معيشية، أو إدراك لمفهوم الحاجة إلى الأسرة، تجعلهم يحاربون لتحسين العلاقة الزوجية وإنجاحها.
يعزو البعض تحديد سن الزواج لقدرة المرأة مثلا على الإنجاب وانقطاعها في سن محددة؛ وهو سبب مقنع إذا كانت الوسيلة متاحة لتكوين أسرة ناجحة وإعداد جيل متميز وقادر على المشاركة في نهضة مجتمعه؛ وهو لا شك هدف نبيل إذا يسر الله.
تحديده هدفًا وحيدًا في عمر معين؛ إذا تجاوزه الإنسان كان رجلا أم امرأة تقاس عليه قيمتهم عند المجتمع وينظر لهم بدونية وانتقاص! فلن أعجب من نتائج تلك النظرة القاصرة التي ينظر للأحداث فيها من زاوية واحدة وشكل واحد وحتمًا ستكون نهايتها واحدة!
يتفاوت الناس باختلاف أحوالهم من حيث القدرة على القيام بمتطلبات الزواج، والموانع التي جعلتهم يتأخرون، ويعزفون كليًا عنه، ولست بصدد سردها والتعريف بها؛ فالأسباب والتبريرات كثيرة.
قرأت لأديب جزائري نصًا يسلو فيه عن نفسه وينجو بها، ويبث لواعجه وما أهمّه لغاية شريفة فيقول:
«مع علو السن ومر التجارب؛ يود الإنسان قرينة مجتمعة النفس، موفورة العقل، كريمة النجار، طيبة العرف، حسنة المنظر، لذيذة الطباع، إذا غاب حفظته، وإذا حضر برته؛ لا تقع عينه منها على قبيح، ولا يشنف سمعه من ثغرها إلا كل جميل، عروب طروب.»
ويكمل:
«أطال صاحبي العذل وأكثر اللوم؛ ورماني بالمطل، وذهب يحاججني ويزعم أني ألفت العزوبية، وأنفت من الزواج، وقد كانت حجته غالبة وحوافزه قاهرة، بيد أني لا أحب أن ألقى ربي عزبًا، لكنها التكاليف الباهظة التي تثقل الكاهل، وتثخن الجيب وتذهب بهدوء النفس إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، لعل الله ييسر.»
على أية حال النبوغ والعطاء، ومجمل الأهداف والإنجازات الحياتية لا علاقة لها بحالتك الاجتماعية كنت متزوجًا أم عزبا، والحياة كما ترى لن تتوقف؛ فيا أيها العزب الذي يروم الزواج ثق بالله ولا تعجز، وطور من نفسك وقدراتك، وواصل التحصيل العلمي، وعش بسعادة، وانتظر الفرج؛ لعل الخيرة فيما اختاره الله!
ختامًا:
وما ثرثرتي هذه إلا شيء مما وصفه الرافعي حيث يقول: وتمام الذلة أن يجد العزب نفسه أبدًا مكرهًا على الحديث عن آلامه لكل من يخالطه أو يجلس إليه، كأنه يحمل مصيبة لا يُنفّس منها إلا كلامه عنها. وهذا هو السر في أنك لا تجد عزبًا إلا عرفته ثرثارًا.