كوريا الجنوبية بلد يملك سمعة جيدة في مستوى التطور الفني والتكنولوجي، والشركات الكورية الجنوبية اليوم تملك أسماء كبيرة تنافس بجدارة في فضاء التنافس الدولي على المشاريع الكبيرة والعملاقة، ومن هذه الزاوية نجد في العلاقات الدولية أن الدول التي تملك مثل هذه الخصائص تحاول أن تحصل الشركات التابعة لها على عقود كبيرة وإقامة أعمال إستراتيجية في دول العالم الثالث خاصة في الدول النفطية، والتي تحتاج إلى بنية حديثة ومتطورة مثل ما يحصل اليوم في الحالة العراقية. ويبدو أن أكثر من شركة كورية فازت في الآونة الاخيرة بعقود إنشاءات ضخمة في العراق. هذا ليس كل القصة فهناك ما يمكن أن نسميه "سوء الطالع" الذي لازم الشركات الكورية الجنوبية التي حققت فوزا لكسب عقود تشغيل وإنشاءات في العراق وخصوصا فيما يعرف بمشروع ميناء الفاو الكبير، وهذا الاسم الذي درج الإعلام العراقي على إطلاقه على هذا المشروع، "سوء الطالع" أو حالة الشؤم تلك طاردت اثنين من أكبر الرؤساء التنفيذيين في شركتين مختلفتين هما شركة إس تي إكس وشركة دايو حيث وجد المديران التنفيذيان للشركتين منتحرين! كما تقول السلطات العراقية. وعمليتا القتل، بينهما فاصل زمني يقدر بعام واحد فقط حيث تمت الأولى في العام 2019، والثانية في هذا العام 2020. من أراد أن يتحدث عن النحس، وسوء الطالع في علاقات الدول حتى وإن كانت فنية وعلى هذا القدر العالي، فله ذلك ومن أراد أن يحاول وضع النقاط على الحروف فسيجد جملة حقائق قد تكون هي الأقرب للصحة والواقعية مهما كانت قوية وصادمة.
الحقيقة الأولى تسلم بأن العراق بوضعها الحالي وبعد سبعة عشر عاما من سقوط النظام السابق، وبوصول الأغلبية الطائفية إلى السلطة، ومع التسليم بأن البلاد محتلة بطريقة مزدوجة أمريكية وإيرانية، فهي تمثل دور الدولة الفاشلة بامتياز، تلك التي لا تستطيع مقاومة، وصد الأطماع المباشرة عن نفسها ومصالحها.
الحقيقة الثانية، أن العراق تقوده أطراف سياسية تسمى أحزاب، وفاعلون ما دون الدولة يسمون ميليشيات أو فرق، وجماعات، وحشود، لصالح دولة المذهب - إيران - وبتجاهل تام لدولة الوطن ولأنظمتها ومصالحها وقوانينها. وإن هؤلاء الفاعلين قادرون على تغيير الأوضاع بقوة السلاح، وبعمليات حروب العصابات، وجماعات المافيا.
الحقيقية الثالثة أن أرض العراق اليوم هي بيئة خصبة للتدخلات الإقليمية، والدولية. وهناك احتمالات كبيرة بوجود عدد من أجهزه الاستخبارات الدولية التي تعمل على الأرض العراقية بطبيعة الحال لمصلحة بلدانها ومنها بالتأكيد الطرف الإيراني الذي يسعى بشكل واضح إلى أن تسير كل الأمور في العراق بما يتناسب مع المصلحة العليا الإيرانية.
الحقيقة الرابعة أن خبر مقتل الرئيس التنفيذي لشركة دايو الكورية صيغ ووزع في العراق وعلى القوى الإعلامية والسياسية عن طريق قناة العالم، حيث تم التركيز في حيثيات الخبر على ثلاثة عناصر الأول وصف العملية بحادثة انتحار، الثاني توجيه الاتهام المباشر لقوى إقليمية عربية هي الكويت والإمارات ومصر! الثالث عدم التطرق للجانب الإيراني وتأثيره على الداخل العراقي مطلقا.
المفيد أن العمل بعد حادثة اغتيال هذا المسئول الكوري المهم توقف في ميناء الفاو الكبير وبدأ الإعلام الإيراني يتاح للأصوات العراقية التي تتهجم على دول المنطقة العربية، وأنها تحاول إعادة أسطوانة العداء للعراق، وشعبه وتقدمه، مما يذكي حالة صراعية في المنطقة خاصة مع الكويت التي تجتهد لإكمال إنشاء ميناء عبدالله الكويتي، وفي نفس الوقت تعود بأحلام العراقيين سنوات إلى الوراء حيث إن أغلب التقديرات المتفائلة لإتمام العمل في ميناء الفاو تقول إنه يحتاج إلى عشر سنوات على أقل تقدير، والسبب في ذلك وجود حكومات غير ناجحة، ومتنفذين سياسيين وعشائريين وقبليين يرجحون مصلحة إيران على مصلحة العراق، وأهله.
salemalyami@