لكن التخفيضات المتوقعة في الاستثمار بقطاع الهيدروكربونات متفاوتة إلى حد كبير، مما يسلط الضوء على الاختلاف فيما ترغب الشركات والأسواق والمستثمرون في تمويله من المشروعات المستقبلية.
ووجدت وكالة الطاقة الدولية أن الإنفاق على إمدادات النفط والغاز الجديدة تلقى أكبر التخفيضات، بينما ارتفع الإنفاق على الطاقة المتجددة أكثر من أي مصدر آخر للطاقة.
ومن جانبه، أدى وباء فيروس كورونا المستجد إلى إضعاف الميزانيات العمومية للشركات، وزيادة عدم اليقين بشأن الطلب على الوقود في المستقبل، مما أدى إلى إجراء تخفيضات قياسية في القطاع.
ولكن على الجانب الآخر، باتت مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تستفيد من انخفاض التكاليف، فضلا عن الدعم الحكومي الواسع والسياسات النقدية التي تدعم أسعار الفائدة المنخفضة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن توفر مصادر الطاقة المتجددة 80 ٪ من النمو في الطلب العالمي على الكهرباء حتى عام 2030.
وقال فاتح بيرول Fatih Birol، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية: «الطاقة الشمسية هي الملك الجديد لأسواق الكهرباء الآن». وأضاف معلقا على تأثير أسعار الفائدة المنخفضة على أسواق الطاقة النظيفة، بقوله: «هذا مهم للغاية لتقنيات الطاقة النظيفة، لأنها تتطلب تكاليف أولية مرتفعة نسبيا. فبتجميع كل هذه العوامل المشجعة معا، سنشهد طفرة كبيرة في قطاع الطاقات المتجددة».
وفي السياق ذاته، أوضح مارك فلوريان Mark Florian، رئيس صناديق البنية التحتية والطاقة العالمية في شركة بلاك روك BlackRock Inc، التي تعد أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، إن بعض المستثمرين انجذبوا إلى العوائد المستقرة التي يمكن أن توفرها مشاريع الطاقة المتجددة لهم، لكن الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة لم يجذب المستثمرين في جميع أنحاء العالم بعد.
وأضاف: «نرى بالتأكيد مزيدا من النمو في الاستثمار في الطاقة المتجددة وبعض المستثمرين المؤسسيين الذين يرغبون في بذل المزيد من الجهد لدعم هذا القطاع، لكنني لن أقول إن هذا موجود في كل مكان حول العالم».
وبدأت بعض أكبر شركات الطاقة في العالم في إعادة التفكير في الاستثمارات المستقبلية في ضوء المشهد التنظيمي والاستثماري المتغير. وقامت شركة بريتش بتروليوم BP PLC الشهر الماضي بوضع إستراتيجية مفصلة للابتعاد عن النفط، والاتجاه نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. كما توقعت أن يكون الطلب على النفط قد بلغ ذروته عالميا في الفترة التي سبقت انتشار وباء كوفيد 19 مباشرة.
وقال برنارد لوني Bernard Looney الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم في وقت سابق من هذا العام: «أعتقد أن الوباء رفع من سقف التحديات التي تهدد مستقبل أسواق النفط». وتوقع لوني استمرار العادات الجديدة التي ظهرت خلال فترة انتشار الوباء مثل العمل من المنزل وتقليل السفر، وبالتالي يقل الطلب على الوقود بشكل دائم.
وفي إطار متصل، قالت شركة الطاقة الفرنسية توتال إس أيه Total SA الشهر الماضي إنها ستزيد من الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة، ليصل إلى 3 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2030، مقارنة بإنفاقها ملياري دولار سنويا الآن.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، التي تعد بمثابة هيئة استشارية لـ 37 دولة غنية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن بين أعضائها الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، إن الطلب السنوي لأعضائها على النفط ربما يكون قد بلغ ذروته بالفعل، وإن طلبهم للبترول لن يعود لما كان عليه قبل جائحة فيروس كورونا.
لكن من المتوقع أن يستمر الطلب على النفط في النمو في الاقتصادات النامية مثل الصين والهند، مما يؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الوباء في عام 2023. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أنه لا يزال من المتوقع أن يشكل النفط والغاز الطبيعي ما يقرب من نصف مزيج الطاقة العالمي في عام 2040، حتى في ظل السيناريو الذي يتوقع دعما حكوميا مستداما للاستثمارات منخفضة الكربون.
وقال فرانك ماتشيارولا Frank Macchiarola، نائب الرئيس الأول في معهد البترول الأمريكي، وهي مجموعة تجارية لمنتجي النفط مقرها الولايات المتحدة: «إنها سنة مليئة بالتحديات بالنسبة لقطاع النفط والعديد من القطاعات الأخرى، ولكن مع تعافي الاقتصادات، سنبقى متفائلين بشأن ما ينتظرنا في قطاع النفط مستقبلا». وتابع: «سيظل النفط والغاز الطبيعي مصدرا مهما للطاقة لعدة عقود مقبلة».
أما بالنسبة لمنتجي الفحم، فالتوقعات المستقبلية أكثر قتامة. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب العالمي على الوقود لن يتجاوز الذروة التي وصل لها عام 2014، وبحلول عام 2040 سيشكل الفحم أقل من خمس مزيج الطاقة العالمي للمرة الأولى منذ الثورة الصناعية.
وقال بيرول إن تلبية الطلب الجديد باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لم يكن كافيا لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وأشار إلى أن مرافق الطاقة والصناعات الثقيلة القائمة - بما في ذلك مصانع الفحم والبتروكيماويات، وأفران الأسمنت، ومصنعو الحديد والصلب - ستولد انبعاثات كافية لزيادة درجات الحرارة العالمية، قبل أن يتم توقيفها واستبدالها.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن هذه المرافق من المتوقع أن تغلق بعد تسببها في زيادة درجة الحرارة حول العالم بنحو 1.65 درجة مئوية، مما يجعل كل تحقيق الجهود التي يتم بذلها لمحاربة تغير المناخ مثل اتفاقية باريس أمرا شبه مستحيل، حيث تهدف تلك المبادرات إلى الحفاظ على زيادة حرارة الجو عند درجتين مئويتين فقط - وبالطبع هناك مسببات أخرى لرفع درجة حرارة الجو إلى جانب هذه المرافق -.
واستطرد بيرول: «أولا، المرافق الجديدة التي نبنيها يجب أن تكون نظيفة». وتابع: «ثانيا، علينا معالجة البنية التحتية للطاقة الحالية، والتي إذا تركت دون معالجة ستجعل جميع أهدافنا المناخية بعيدة المنال».
وسيتطلب خفض هذه الانبعاثات وضع سياسات حكومية جديدة في جميع أنحاء العالم، حيث تعمل البلدان معا على التمويل والتكنولوجيا لتعزيز الطاقة منخفضة الكربون.
وحول هذا الأمر، يقول دانييل ريمي Daniel Raimi، كبير الباحثين المشاركين في مركز ريسورسز فور ذا فيوتشر Resources for the Future، وهو مركز غير ربحي وغير تابع لحزب معين لسياسة الطاقة والبيئة، إن الدروس المستفادة من مكافحة وباء كوفيد 19 ليست مشجعة.
وأضاف: «حتى الآن، أعتقد أننا رأينا المزيد من الشكوك والحدة في التعامل مع أزمة كوفيد، بدلا من التعاون والاتحاد لتخطي المحنة». واختتم حديثه: «أنا أعتبر ذلك علامة سلبية».
وفي حين تسبب الوباء في انخفاض الاستثمار في الوقود الأحفوري على المدى القصير، وانخفاض متوقع بنسبة 7 ٪ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة في عام 2020 وفقا لوكالة الطاقة الدولية، فقد تكون هذه الآثار قصيرة الأجل. وقال تقرير وكالة الطاقة الدولية إن الصين - أول دولة عانت من انتشار الوباء وأول دولة أيضا أعادت تنشيط اقتصادها بعد الأزمة - شهدت بالفعل عودة الانبعاثات إلى مستويات ما قبل الوباء.
وقال التقرير إن العقد المقبل سيكون حاسما في تحديد ما إذا كان «الانتقال إلى الطاقة النظيفة سيدفع الانبعاثات إلى التراجع بشكل مؤثر أو لا».
وأوضحت أنجيلا أندرسون Angela Anderson، مديرة برنامج المناخ والطاقة في اتحاد العلماء المهتمين بالمناخ: «نحن على حافة الهاوية، يمكننا الاستثمار في الأشياء التي تجعل عالمنا أكثر أمانا أو يمكننا دفن رؤوسنا في الرمال دون التعامل مع المشكلة». واختتمت: «فرصة محاربة تغير المناخ موجودة الآن، حيث تتضاءل حواجز التكلفة، وأصبحت مقاومة المستهلك للتحول للطاقة النظيفة أقل بكثير مما كنا نراه في الماضي».
ساهمت سارة مكفارلين في كتابة هذا المقال
%18
نسبة الانخفاض المقررة في الإنفاق الرأسمالي على الطاقة هذا العام، حيث يتوقع تراجع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 5 ٪ في عام 2020.
يزداد
80 %
من النمو في الطلب العالمي على الكهرباء حتى عام 2030 ستوفره مصادر الطاقة المتجددة، حسب توقعات وكالة الطاقة الدولية.
«الطاقة الشمسية هي الملك الجديد لأسواق الكهرباء الآن». فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية.
«من المتوقع زيادة الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الوباء في عام 2023».