في كل دولة هناك خطط ومعالجات على المستوى المتوسط والطويل، فنحن نتعامل مع قطاع يستلزمه الكثير من الوقت والجهد والآليات، وأغلب العلاجات إنما هي كلاسيكية وإن بدت تطويرية في وقتها، ولكن أن يتحول الإسكان من خدمي إلى صناعة هنا يمكن أن تصنع الفارق والاختلاف والتميز.
تتبارى دول الخليج في تفعيل رؤاها من زوايا القصور والتعامل مع الأزمات ومعالجتها لتنطلق باقتصاد نامٍ ومستقل خال من التحديات، وكما قلت فإن أبرز أزمتين هما البطالة والسكن، وعليه فإن جميع الرؤى الخليجية تهدف في الأساس لمعالجة هاتين الأزمتين اللتين تشكلان عصيا في دواليب الاقتصاد المحلي وبقيتا لسنوات تتراكمان ولا تعالجان من الجذور.
أكثر ما أبهرني في برنامج الاقتصاد الذي تقوده المملكة من الرؤية 2030 هو جعلها الإسكان صناعة وهي سابقة في المنطقة بهذه الشمولية، حين أتحدث عن ذلك فإني أتحدث عن مبادرة تقنية البناء التي تهدف إلى حصول المواطن على مسكن العمر، بإيجادها حلولا سكنية وخلق صناعة إسكانية متكاملة، بتحريك قطاع العقارات بكافة أطرافه من الخدمات المالية والتمويل، ومواد البناء، والدلالة والوساطة العقارية، والاستثمار وخلق التنافسية مع بيئة ذات قدر من الشفافية والسهولة، ومشاركة المنتفعين في هذا المشروع.
هنا فقط يتحول الإسكان من وزارة تقديم خدمات تقليدية بشكل كلاسيكي إلى صناعة تصنع سوقا كاملة وتحركها وتنشطها وتساهم في رفع جودتها وجهوزيتها، مما يجعلها مطمعا استثماريا مربحا للقطاع الخاص وبتنافسية تحل أزمة الإسكان حين تتساوى مع المشاريع السكنية الخاصة من ناحية الجودة والتقييم والقبول. وتحويل خدمات أو قطاع إلى صناعة أنه يعالج الأزمة من الجذور ويتغلب عليها وإن تطلب وقتا، بعد أن كانت تراكمية وبشكل مزمن.
في الحقيقة هذا المجهود ليس بأمر سهل ولكن، في الاجتماع الأخير مع وزير الإسكان الأستاذ ماجد عبدالله الحقيل، استوقفني كثيرا طريقة سرده وحديثه عن مشاريع الإسكان وكيف يمكنه أن يحاط علما كاملا وببديهية عن كل هذه الأرقام والخطط وإن كان عمله كوزير يسترعي الأخذ بها، إنما من يعيها هو من يحاط باهتمامه الكامل حتى أبسط المعلومات، كرجال الأعمال حين يتحدثون عن مشاريعهم الخاصة فيعرفونها بدقة.
بدا لي أن الامر ذو طابع شخصي أيضا، فالفكر التقليدي ينتج معالجة تقليدية، والفكر الشبابي الحديث ينتج معالجة شمولية، هذه العقول هي من تصنع الفارق والتغيير والخروج من النمطية، وإن لزم الأمر وقتا فهي تحتاج إلى ثقة ودعم فحسب، ويبقى أن العقول الوطنية يحفزها الولاء وحب الوطن وجعل الأمر يبدو وكأنه مشروع عمرها وإنجازها الكبير.
@hana_maki00