قال أستاذ الفنون البصرية المشارك بجامعة أم القرى والباحث في علم التقنية د. محمد فلفلان: في ظل الثورة الصناعية التي نعيشها، بات الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحة لتشكيل مستقبل المجالات المختلفة، ومنها مجال الفنون البصرية والتشكيلية، وجاءت «آرتاثون الذكاء الاصطناعي» بالرياض عام 2019 كأول مسابقة من نوعها على مستوى العالم، حيث دمجت الإبداع الفني بالذكاء الاصطناعي، ونلت شرف المشاركة في تلك المسابقة كفنان تشكيلي من بين 300 مشارك «فنان ومبرمج» من دول مختلفة، وتم تشكيل مجموعة من الفرق تضمنت فنانا ومبرمجا على الأقل في كل فريق، وعملت الفرق على إنتاج أعمال فنية إبداعية بتوظيف الذكاء الاصطناعي، فجمعت تلك الأعمال بين فكر وإبداع الفنان وعبقرية المبرمج، ودمجت الخيال الإبداعي بالمنطق الرياضي، وهكذا كانت تجربة «آرتاثون الذكاء الاصطناعي» فريدة من نوعها.
النص الآلي
وتحدث مدير مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بجامعة الملك خالد ونائب رئيس اتحاد كتّاب الإنترنت العرب د. عبدالرحمن المحسني قائلا: أريد ابتداء أن أضع حدا وأفصل فصلا تاما بين نص الإنسان ونص الآلة، أو ما يمكن تسميته «أدب الذكاء الاصطناعي»، فنص الآلة، قانونا، ينسب لها ولا ينسب للإنسان بحال، حتى لو أسهم الإنسان في إدخال النصوص إلى الآلة، إذ النص البشري هو الآخر نتاج عدة مدخلات، ولا يضر ذلك في نسبة النص لشاعر بعينه، هناك إذن فارق بين ما نسميه «الأدب الإنساني»، الذي يرتفع في أعلى مستوياته إلى «الأدب التفاعلي الرقمي»، حيث تكون فيه الآلة داعمة للنص بما تمنحه من وسائط تجعله مؤثرا في المتلقي، وبين نص الآلة الذي يمكن تسميته «أدب الذكاء الاصطناعي الرقمي»، وهنا سنكون أمام تساؤلات مؤسسة لقضية أدب الذكاء الاصطناعي، وهي: ما مدى ارتفاع المشاعر في الآلة بعد إدخال نصوص معينة لها؟ وما مدى تفاعلية الآلة؟، وهل سنجد نصوص الآلة محددة في اتجاهات معينة، بحيث نجد قصيدة حزينة وأخرى فرحة وثالثة حماسية بحسب النصوص المدخلة؟، وما الذي سيحدث لو أدخلنا كل الشعر العربي مرة واحدة لقلب الآلة؟، هل سينتج نصا واحدا فقط؟، وما هي حدوده الفكرية والجمالية؟، وهل سنصل بأدب الذكاء الاصطناعي إلى تنافسية بين أدب الإنسان وأدب الآلة؟، وهل تكون الآلة منافسا للإنسان أم أنها ستكون متخلفة في قدراتها عنه أو أنها ستتجاوزه؟، وفي حال انتصرت الآلة وحيدت النص الأدبي، بحكم كثافة المدخلات، ما هو موقف البشرية من هذا؟، وهل ستسن قوانين تحد من هذا الصراع وتقننه؟، وهل نستطيع كنقاد أن نطبق النظريات النقدية البشرية عليه أم أنه سيخلق معه نظرياته وطرق قراءته؟.
وأضاف: أقول هذا وأدب الذكاء الاصطناعي لم يعد نسج خيال نتوقع حضوره، بل أصبح حاضرا يستحق النظر والرأي، فلدينا نماذج لنصوص شعرية كتبها الروبوت كنص الروبوت «هال»، وثمة رواية يابانية نافست على جوائز أدبية، ورواية أخرى فازت بجائزة، ما يستدعي المقاربة والنظر الإنساني لهذا المنافس الآلي القادم وطرائقه وقوانين التعامل معه.
إمكانات تقنية
وذكرت نائب المشرف على فرع الجمعية التاريخية السعودية د. هالة المطيري أن الثورة الإلكترونية نجحت بفضل الإنترنت في اقتحام عالم الأدب، بعدما سمحت شاشات العرض المختلفة ذات التقنية عالية الجودة بأن نستمتع بقراءة نصوص رقمية تُستخدم فيها إمكانات تقنية متنوعة متمثلة في الصور الفوتوغرافية، والرسوم المتحركة، وجميع المؤثرات، أسهمت جميعها في ظهور توجه إبداعي جديد في عالم الكتابة، ويكتسب هذا النوع من الكتابة الأدبية صفة التفاعلية بناء على المساحة، التي يمنحها للمتلقي، وهو ما فتح الباب واسعا أمام الكتَّاب المبتدئين لنشر إنتاجاتهم الأدبية والإبداعية، ومحاكاة المبدعين عبر الوسائط التكنولوجية المعاصرة التي تتيح تفاعلا آنيا، حيث يضعنا ذلك أمام حرية الممارسة الإبداعية التي تقودنا مباشرة إلى الحقيقة، لأن في أدب العالم الرقمي يكون هناك واقع بديل، وهو الواقع الافتراضي، الذي تتم فيه صناعة عالم خاص باستخدام الكلمات، والمجاز، وما إلى ذلك من أدوات فنية، عرفت في الواقع الحقيقي.
عقل المتلقي
وتابعت: هنا يتدخل عقل المتلقي ووعيه ليعقد مطابقة بين هذا العمل الإبداعي على جهاز الحاسوب والواقع الحقيقي، مقدرا في نفسه أن العمل الإبداعي الحاسوبي افتراضي؛ لأن المبدع ينقل المتلقي من مستوى إلى آخر، فيصعد به وينزل، ويستقيم ويلتوي وينثني، لكنه لا يخرج عن اللعبة اللغوية، فارتباط الحواسب الآلية بشبكة يحولها إلى وسيط كتابي إلكتروني تفاعلي، لتكون بذلك مكتبة عالمية تمكن جميع مَنْ يتصل بها من الاستفادة من خدمات الإنترنت، فتأسست المنتديات الأدبية المتخصصة في علوم اللغة العربية والشعر والنثر، وبرامج في العروض خدمت الشعراء، وسهلت عليهم كتابة الشعر ومراجعته، وساعدت تلك المنتديات على انتشار الأدباء ونشر إبداعاتهم الأدبية من شعر ونثر، ومكنتهم من الوصول إلى أكبر شريحة من المتابعين والقراء والمتذوقين.
تجربة عميقة
وأكد أستاذ النقد الحديث المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز الناقد والشاعر عادل خميس الزهراني أن اقتحام التقنية للأدب أمر حتمي، وهي نقطة لا بد أن ننطلق منها في تحليلنا لظاهرة دخول التكنولوجيا «بمختلف أشكالها» إلى عالم الأدب، فإن كانت التكنولوجيا غيرت الكثير في كل مناحي الحياة التي نعيشها، فمن الطبيعي أن يطال التغيير الأدب، بوصفه منتجا إنسانيا، ونشاطا اجتماعيا.
وقال: التغيير الذي تحدثه التقنية، من الإنترنت لمنصات التواصل الاجتماعي، ليس مجرد تغيير سطحي هامشي، بل هو بنيوي عميق، أي أن التقنية لا تمثل مجرد وسيط جديد لنشر الأدب، بل تتدخل وتؤثر في صلب العملية الأدبية، فهي ليست خارج هذه العملية، بل هي هناك مع المبدع في حال إبداعه، والنص في حال تخلقه، ومع القارئ في حال تلقيه، هذا المنظور في رأيي هو الذي سيقودنا لفهم التجربة الحديثة للأدب وعلاقة التقنية به.