لكنّ السؤال : لماذا هذا العداء المتكرر ؟
وأجدُ الإجابة في إن الغرب يرى أن محمداً صلّ الله عليه وسلم قد قدَّم مفهوماً يمكن أن يهدم الفكر الغربي من أساسه ، وهو مركزية الله تعالى في حياة البشرية ، مقابل نظريات الغرب التي تقوم على مركزية الإنسان . لذلك اختار الغرب أن يجعل عداء الإسلام ضمن منظومة قيمه الرئيسية ، لأنه بذلك يتمكن من إبقاء الفرد مركزاً للكون في مواجهة دعوة محمداً صلّ الله عليه وسلم التي حافظت على مكانة الخالق جلّ في علاه ومركزيتها في حياة البشر.
يرى الكثيرون في الغرب وخاصة السياسيون والباحثون والمفكرون منهم في شخصية النبي صلّ الله عليه وسلم نموذجاً متكاملاً لنوع من الكمال الإنساني ، الذي لا يمكن للغرب بأفكاره ونظرياته وممارساته أن يصل لها . وعند هذا الفريق من الغربيين ، يصبح القضاء على هذا النموذج هماً حقيقياً بذاته . فكأن حياة النبي محمد صلّ الله عليه وسلم تمثل ذلك الضمير الذي يطعن الغرب في خاصرته ، وكأنه حجةٌ دائمةٌ عليهم بالدليل الواقعي لمدى التردي الذي وصل إليه حال الشخصية الغربية نتيجة لابتعادها عن النموذج المحمدي .
وقد يعترض بعض المفكرين العرب بل والمسلمين على تصوير واقع الشخصية الغربية بهذا الشكل المأساوي ، ولا شك بأنهم آخر المدافعين ، ولكن الحقيقة أن هناك فراغ روحي ضخم في الغرب بالعموم ، ويظهر ذلك من ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان والانتحار وانتشار الرذائل ، بل وتصديرها إلى كل أنحاء العالم . وفي المقابل تظهر الشخصية المسلمة التي يمثلها النبي صلّ الله عليه وسلم كمقابل حاد في مواجهته لتلك الشخصية الغربية . ومنها هنا نجد الهجوم الشديد والمتكرر على شخص النبي صلّ الله عليه وسلم .
ويرى المفكرون الغربيون أن رسالة محمد ، وأفكار محمد ، ودعوة محمد تقديم الرصيد الفكري والنفسي والعقدي لجهد المسلم في الانتصار على نفسه ، وعدم التسليم لشهوات الحياة ومتع الدنيا ، التي يتفنن الغرب في محاولة تقديمها للأمة . كما أن المقاومة تمتد لتمنع الكثير من محاولات الهيمنة الفكرية والثقافية على الحياة الإسلامية والعربية من قبل الغرب .
إن محمداً قد أحيا فكرة القوة وعدم الخوف من المواجهة ، وهي فكرة خطيرة في نظر أصحاب مشروعات الهيمنة والسيطرة على واقع الأمة الإسلامية وثرواتها ومستقبلها . أن محمداً قد حارب من أجل أن ينتصر الإنسان ، وقد زكى الله لسانه وقال : " وما ينطقوا عن الهوى " وزكى خلقه وقال : " وإنك لعلى خلق عظيم " وزكى رسالته وقال : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وزكى أمته وقال : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " فدافعوا عن حبيبكم ونبيكم بكل ما أوتيتم من قوة