وتقول قناة «الحرة» الأمريكية: كان مقتل البغدادي إنجازا مهما في الحرب ضد تنظيم أذاق العالم الأهوال، ففي سنوات عنفوانه، استطاع داعش أن يبسط السيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا تفوق 100 ألف كيلو متر مربع، وتحكم في مصائر 7 ملايين نسمة.
انتهاء الوهم
لا يزال التنظيم الإرهابي يشكل أحد أكبر الأخطار العالمية، وخاصة بعد انشغال الكثير من دول العالم بمشاكلها الداخلية الناجمة عن مكافحة جائحة كورونا.
ويقول مستشار التحالف الدولي لمحاربة داعش، كاظم الوائلي، في تصريحات نقلتها «الحرة»: إن التنظيم تشظى بعد مقتل البغدادي، مشيراً إلى أن هذه التنظيمات الجهادية تعتمد في تماسكها على شخصية المؤسس وعند مقتله، لا ينتهي «داعش» ولكن يقل ترابطه، مثلما حدث مع «القاعدة» بعد مقتل بن لادن.
ويضيف الوائلي: «داعش» بعد خسارته للأرض التي سيطر عليها في العراق وسوريا وخسارته للخلافة المزعومة، كان أمله وقوته في اعتماده على شخصية القائد وهو أبو بكر البغدادي، مؤكدا أنه بعد مقتله انتهت أسطورة التنظيم بسبب ارتباطه بمؤسسه.
وأشار إلى أن التنظيم قد ينفذ عمليات إرهابية وانتحارية في أماكن مختلفة، لكن لن يستطيع السيطرة على مساحات شاسعة مثل ما حدث سابقا في سوريا والعراق، مؤكدا أنه «انتهى».
بينما يرى روبرت ريتشر، نائب مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، أن «داعش لم ينته»، حسبما نقلت عنه صحيفة «واشنطن بوست».
وأضاف: لقد دمرنا «داعش»، لكنها ظهرت الآن في أماكن عديدة، في غضون ذلك، لم يعد التحالف العالمي لمحاربة التنظيم موجودًا بالفعل.
الهجمات الإرهابية
وبحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، فقد تنامت الهجمات الإرهابية للتنظيم منذ بداية 2020، وبلغت نحو 566 في الربع الأول من 2020 وحده، كما يحاول التنظيم انتهاز الفرص الناجمة عن القتال بين المعارضة وقوات النظام السوري ومكافحة فيروس كورونا، لشن هجمات انتقامية ضد القيادات المحلية، ومهاجمة خطوط إمداد النفط والغاز، والهجوم على المواكب، واختطاف الرهائن للحصول على فدية.
وقد مكّن التكتيك الأخير قيام التنظيم بالمطالبة بتبادل الأسرى وجمع المعلومات الاستخبارية عبر استجواب الرهائن.
بحسب تقديرات الأمم المتحدة في أغسطس الماضي، يصل أعداد مقاتلي تنظيم داعش حاليا نحو 10 آلاف، ينتشرون في العراق في أماكن متفرقة تسمى «مثلثات الموت»، وينتظرون حدوث فوضى في البلاد لإعادة نشاطهم.
ومنذ بداية هذا العام، تنامى تهديد التنظيم في مناطق الصراع، كما يتضح من إعادة تجميع وتزايد نشاط داعش وبعض الخلايا التابعة له في العراق وسوريا، أما في المناطق التي لا تشهد نزاعات، فيبدو أن التهديد قد انخفض على المدى القصير، تزامنا مع إجراءات الإغلاق والقيود التي فرضها تفشي وباء كورونا، وفقا للأمم المتحدة.
وحذرت الأمم المتحدة من أن التهديد العالمي الذي يشكله داعش من المرجح أن يزداد إذا فشل المجتمع الدولي في مواجهة هذا التحدي.
الكهوف والمخابئ
وذكر تقرير لمعهد واشنطن، أن التنظيم يحتفظ بآلاف الكهوف والمخابئ التي تحتوي على المعدات والأسلحة والذخائر والمتفجرات ومعدات أخرى، وأضاف: إن التنظيم يعتمد على «استراتيجية التغلب الريفية» في عدة مناطق من البلاد، محاولاً إنشاء معاقل ومناطق محظورة في المناطق الريفية يصعب كثيراً على الحكومة المركزية الوصول إليها، ويتوجّه التنظيم إلى المناطق التي تضم أقل عدد من السكان في البلاد، ويعمل على إخلائها أكثر من سكانها.
وبحسب الاستخبارات الأمريكية والعراقية، فإن قائد داعش الجديد هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي وهو «أمير محمد سعيد عبدالرحمن المولى» من مواليد الموصل عام 1976، لعائلة تركمانية سكنت بلدة تلعفر التي تقع في شمال غرب العراق، كما أنه حاصل على شهادة في الشريعة من جامعة الموصل، ولعب دورا بارزا في عملية استعباد الأزيديات.
وذكرت التقارير الاستخباراتية أن التنظيم أعاد تشكيل هيئته، بعد مقتل البغدادي وأغلب قياداته على يد قوات التحالف، وأصبح يتكون من 14 ولاية و5 دواوين «وزارات» وإدارة واحدة مسؤولة عن إدارة الولايات خارج سوريا والعراق، كما ألغى التنظيم الإدارات المسؤولة عن الحسبة والكهرباء بعد خسارته جميع الأراضي.
أما بالنسبة لتمويل التنظيم، فقد حذر مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون، من قدرة «داعش» على العودة مرة ثانية، رغم الهزائم التي تعرض لها، بسبب الاحتياطيات المالية والإيرادات التي لا يزال يحتفظ بها، وقدرتها الخزانة الأمريكية بـ300 مليون دولار وفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال».
انسحاب التحالف
وخلال الشهور الماضية، تزايدت المخاوف من عودة التنظيم مرة أخرى وتكرار سيناريو 2014، خاصة مع إعلان قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة، سحب أغلب قواتها من العراق وسوريا، بعد تفشي فيروس كورونا، وزيادة هجمات المليشيات الموالية لإيران على قواعد التحالف.
ومنذ شهر مارس الماضي، سلمت قوات التحالف 8 قواعد عسكرية للقوات العراقية آخرها قاعدة التاجي، كما أعلنت الولايات المتحدة خفض قواتها في بغداد من 5000 إلى 3000 فقط.
وبالرغم من الضربات الموجعة والقاسية التي تلقاها التنظيم في سوريا والعراق، إلا أن قوته ازدادت في غرب أفريقيا، وسيطر على مساحات واسعة من دول النيجر وسيراليون ومالي، وبوركينا فاسو.
وأظهرت دراسة نشرت في مجلة «CTC Sentinel» أن الأشهر الـ18 التي انقضت منذ سقوط آخر معقل لداعش في سوريا، شهدت نموا لفروع التنظيم في أفريقيا وتحقيق مكاسب هائلة في السيطرة على الأراضي وجذب مزيد من المجندين، بالإضافة إلى تطور ملحوظ في قوتها النارية.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة يبلغ عدد مقاتلي التنظيم في منطقة غرب أفريقيا نحو 3500 عنصر، بينما يقدر عددهم في ليبيا بالمئات.
ولا ننسى التصريحات السابقة للمسؤول عن القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنيزي، عندما قال: إن الظروف الأساسية التي سمحت بظهور «داعش» لا تزال قائمة، وهم يواصلون التطلع إلى استعادة السيطرة على بعض الأماكن، مشددا على أنهم - عناصر التنظيم - لديهم القدرة على القيام بذلك في فترة زمنية قصيرة نسبيًا.