حيث أنتجت الحركة العمالية مناضلين وأحزابا سياسية يسارية ونقابات وثورات ومفكرين ماركسيين وأدبا نضاليا بروح شيوعية ماركسية. لكن الواقع لم يكن بالصورة المقروءة في الخطابات الماركسية النظرية، لقد حدثت تطورات شرعت لنضالات مختلفة، لا ترتبط بالضرورة بتحرير العمال، بل ارتبطت بتحرير الأرض من الهيمنة الاستعمارية كما هو الحال مع دول المشرق العربي ومغربه فضلا عن بعض الدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية.
أيضا في هذا الإطار لا ننسى النضال الفلسطيني في الستينيات والسبعينيات كان نضالا يستمد مقوماته من المقولات الماركسية الشيوعية اللينينية أو التروتسكية أو الماوية.
بعبارة موجزة كانت الماركسية بتطبيقاتها المختلفة هي الأيديولوجيا التي حركت النضال العالمي من أجل التحرر ورفع الظلم. لاحقا عندما جاء الإيرانيون وحاولوا تعميم نموذجهم «المقاوم» أواخر السبعينيات تحت عقيدة ولاية الفقيه كانت المقولات التي تناسب هذا النموذج، لا تستطيع الخروج من إطار المذهبية بحكم طبيعة هذه العقيدة المحصورة بالفكر الشيعي فقط. بينما مقولات الفكر الماركسي - لو أردنا المقارنة في سياق النضال والمقاومة - كانت تملك القابلية للتأويل والتوظيف العالمي للنضال، بل إنها أنتجت فكرا ضخما ما زال يؤثر على شتى الحقول المعرفية في العلوم الإنسانية حيث ماركس حاضر بقوة بنسخه المتعددة في نصوص أغلب مفكري العصر. بالمقابل النموذج الإيراني لم يخلف سوى طائفية مقيتة تستند على الصراع والهيمنة.
هنا قد يتساءل سائل ويقول: أيضا تاريخ الثورة البلشفية برجالاتها لم تخل من عنف واستبداد وهيمنة وقتل باسم النضال والتحرر من الهيمنة الرأسمالية؟
أولا- كل الثورات بلا استثناء لا بد أن يطال مسارها الانحراف عن أهدافها وقيمها التي ثارت من أجلها، هذه هي طبيعة واقع الثورات.
ثانيا- الذي يختلف بين ثورة وأخرى هو طبيعة السياق الاجتماعي والثقافي الفكري والاقتصادي السياسي الذي تنشأ فيه هذه الثورة أو تلك، بما يفسح في المجال الحديث عن ميزات وصفات تؤثر بالتالي في مسار الثورة وتحدد قيمها.
ثالثا- وعليه فإن الماركسية انحدرت من سياقات متعددة، وحراك نضالي أوروبي مستمر منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، وقد أثرت الحركة الشيوعية الفرنسية على فكر ماركس نفسه. ناهيك عن الأثر الذي تركه الفكر الماركسي في الكثير من المناضلين العالميين كجيفارا، وفرانز فانون، وغرامشي، ومالكم إكس وآخرين غيرهم.
رابعا- بينما حكم الملالي في إيران لم يصنعوا فكرا مرتبطا بقيم عالمية، يمكن أن تؤدي دورا يؤثر على النضال من أجل الإنسان فقط. الفكر والأدب الإيراني موروث عالمي وفيه قيمة عظيمة، وهو مزدهر ومنتج وكبير. لكنه غير مرتبط أيديولوجيا بهؤلاء الحاكمين إيران حاليا، وهذا هو الفرق للأسف.
[email protected]