وتشير الكثير من الوثائق التاريخية التي احتوتها كتب ومخطوطات تتعلق بتاريخ المنطقة إلى الأهمية القصوى لجانب الحفاظ على البيئة والممتلكات العامة، حيث كانت في مقدمة أي عقود أو مواثيق تنظم الحياة العامة للناس، ويسرد الباحث عبدالرحمن آل حامد في كتابه «العادات والتقاليد والأعراف في إقليم عسير» ملامح من هذا الاهتمام بالتنوع الطبيعي والحفاظ عليه من خلال وثائق يعود بعضها إلى مئات السنين، مؤكدًا أن الأعراف اهتمت بالحفاظ على الغابات والأشجار من القطع، وطبّقت جزاءات صارمة بحق من يقطع الأشجار.
الشرطة البيئية
ولم يكن مفهوم الشرطة البيئية أو حماية الحياة الفطرية المعروفة حاليًا غائبًا عن حياة الإنسان في عسير، حيث يورد آل حامد دلائل موثقة على ذلك، مشيرًا إلى أنه كان يُعيَّن رجل أو أكثر لحراسة الغابات ومواقع الغطاء النباتي، ويسمى «محمي»، ويتمتع بصلاحيات كبيرة تساعد في تطبيق حظر قطع الأشجار، حيث كان يصادر الفأس والحبل، ويستخدمهما كشاهد إثبات ضد المعتدي على الأشجار في الغابات، وتفرض عقوبة تصل إلى ريالين من الفضة، وكان حارس الحمى والمحاجر يقوم بجولات تفقدية للأشجار للتحقق من عدم المساس بها، ويضع عيونًا من الرعاة، وخلافهم لإخباره عن أي تعدٍّ على الأشجار والغابات.
أعراف اجتماعية
ويبيّن الباحث أنه كانت هناك أعراف اجتماعية متعددة، تهدف جميعها إلى حماية الأشجار والغابات من القطع لغرض الاحتطاب أو الرعي، بعضها لا يسمح بإطعام البقر والإبل من الأشجار، في حين يسمح بعضها الآخر بذلك في حدود معلومة تقتصر على الأغصان السفلى.
أعطيات مالية
وأضاف: «بلغ من الحرص على المحافظة على الأشجار واستنباتها أن يعطى الرعاة والأطفال أعطيات مالية أو عينية مقابل جمع بذور الأشجار مثل الطلح وغيره، فتقوم الجماعة بإعادة بذر البذور لاستنبات الأشجار، إلى جانب تقليم الأشجار للمحافظة على نموها، ومنع بعض الأشجار الطفيلية من النمو على أغصانها وإفسادها، وكان يسمح لبعض الأشخاص المضطرين، مثل الرجل الذي لديه عزاء، أو الرجل الذي أصيبت أو مرضت زوجته، فلا تستطيع الاحتطاب من الشجيرات الصغيرة والحشائش، بقطع رؤوس بعض الأشجار التي تحدد لهم لاستخدامها كحطب مقابل مبالغ مالية».
القاعدة الأساسية
وجاءت وثيقة «القاعدة الأساسية للحد من ظاهرة التعديات بمنطقة عسير» التي أصدرتها إمارة المنطقة مؤخرًا لتعزز هذا الجانب، وتؤكد ما أسسه الأجداد منذ مئات السنين، والمبني على تأصيل شرعي وأعراف اجتماعية أصيلة، تنبع من حاجة المجتمع إلى التكاتف من أجل الحفاظ على الأملاك العامة وتعزيز الموارد الطبيعية.