يوما بعد يوم تتبلور المساهمة الواضحة لتطوّر الإنسان والحياة بشكل عام في تطوير الفنون قاطبة، وهو ما جعلنا نواكب الكثير من المدارس بخصوصيات وثّقت لكل مرحلة عايشتها الإنسانية وخصوصا تلك المرتبطة بنهضة الفكر والعلوم والتكنولوجيا وهي منافذ عميقة حملت وعيا وإدراكا وفلسفة بصرية خلقت جدلا واعيا بأن الفن في حد ذاته عكس تجليات الإبداع الإنساني بشكل جمالي ومؤثر.
ومن هنا فإن كل هذه المسلمات التي عرفناها ونحن نتنقّل بين مراحل الفن، إنما تثير في دواخلنا شغف الارتقاء بالفنون السعودية المعاصرة ومرحلة ما بعد الحداثة التي تعتبر مرايا حقيقية لنهضة السعودية ومواكبتها للفنون العالمية، خاصة وأن فناني المملكة استطاعوا أن يقدّموا دفعا يفتح أبواب النفاذ للعالمية من خلال المشاركات التي لفتت الانتباه للفنون السعودية ولكن العمل على العالمية وهو المحفّز على الاستمرار يحتاج أن يبني أسسه من الداخل ويعلي شأنه التعبيري في وعي الأجيال باختلاف تلقيها وهنا يقع الدور على المؤسسات الثقافية والمناهج التربوية والبرامج التنشيطية والمعارض المختلفة سواء التي تتعاون فيها القاعات والمراكز الثقافية أو التي يقدّمها الفنانون عن طريق منصاتهم الافتراضية كما يحدث حاليا.
ومع هذا كله يبقى الدور الحقيقي القادر على نشر الوعي بفنون ما بعد الحداثة، هو التعاون بين كل هذه الأطراف من أجل خلق صورة جديدة بعيدة عن الصدامية الجدلية والمحاورات السطحية حول مفاهيم الجماليات الكلاسيكية والمقارنات بين فنون الحداثة وما بعد الحداثة لأن التعاون والتلقي سيكون مفتاحا بين كل الأطراف قادرا على وصل الكل من أجل التفاهم والتلقي والنقد البناء والمعايشة الجمالية الحقيقية لكل ما يمكن أن يعبّر خاصة وأن السعودية لا تقدم فنونها المعاصرة وما بعد الحداثية بشكل مقلّد لتجارب العالم ولكن بشكل قادر على استيعاب التقنيات وفي نفس الوقت التعبير بها وفق الخصوصية الفكرية والبصرية والهوية السعودية الزاخرة ثقافية وتراثيا حيث التعبير يكون مرنا في التعامل بين المنجز والمتلقي والفنان نفسه بكل سهولة وتوافق وتآلف دون الإخلال بالقيمة الفنية.
yousifalharbi@