مضى على تقاعدي من أرامكو السعودية بالضبط ثمانية أيام. ولذلك ما زلت متأثرا بفراق هذه الشركة العظيمة التي قلت، في رسالة خاصة لبعض الأصدقاء، إنها أعطتني أكثر مما أعطيتها. من الطبيعي، وإن لم يحدث ذلك فعليا، أن تذرف دمعة وداع على بوابتها بعد أن قضيت فيها ثلاثين سنة من عمرك. وبطبيعة الحال ليست كل أيامها عسلا مصفى، وليست كلها علقما. أي مكان ينبض بالحياة فيه حلو ومر، وصعود وهبوط، ونجاح وفشل، وفيه إجمالا ما تحب وما لا تحب.
ما أستطيع قوله، على وجه اليقين والإجمال، أنني لم أتعلم الكثير فقط في هذه الشركة، بل أعتبر، حتى لو أتيتها في عمر متأخر، أنها ربتني على كل شيء: الالتزام والمسؤولية والإبداع والإنجاز وروح الفريق والسلوك الشخصي وأخلاق التعامل مع الآخرين المختلفين. أزعم أنني بالفطرة كنت مستعدا لكل ذلك، لكن كان لا بد أن ألتحق بأرامكو لكي يتبلور ما كنت مستعدا له عمليا وشخصيا. بإمكانك القول أنني كنت أبحث عن طرق ممهدة وسالكة لأمارس ما أنا مفطور عليه ولم أجد هذه الطرق سوى في هذه الشركة.
لن أتحدث عن الواجبات التي كانت علي لأرامكو وكيف أديتها، فالشركة ورؤسائي يعرفونها وهم من يتحدثون عنها، لكنني سأتحدث عن الحقوق التي تعطيها أرامكو لموظفيها وتضمنها لهم. ما هو حقيقي، وقد قلت ذلك لأحد رؤسائها السابقين الذي شرفني بمكالمة بعد أن سمع خبر تقاعدي، أننا لو حسبنا ما أخذناه من شركتنا العزيزة، على المستويات المادية والشخصية والمعنوية، فسنخرج من هذه الحسبة مديونين. وهذا بالفعل ما أشعر به حتى لو كنت من موظفيها الذين كانوا لسنوات طوال يصلون الليل بالنهار، ولا يعرفون من (الويكند) إلا اسمه.
كنا نعطي لأرامكو، ولا تزال أجيالها الجديدة على نفس المنوال، من قلوبنا المحبة ونفوسنا الراضية ومواهبنا ومهاراتنا المسخرة لخدمتها وتحقيق أهدافها. أخلصنا لها وأخلصت لنا، وهذا هو ما يجعلها مختلفة، ويجعلنا نحزن عندما نغادرها بعد طول عشرة ومحبة.
@ma_alosaimi