حينما يباغت المرض المتأنف الطاووس، وتهاجمه الآلام، سيعلم يقينا، أن الأطباء والممرضين وزملاءهم، أكثر من مجرد «مستخدمين»، وغروره لا يزن جناح بعوضة، وهو يتقلب بين أيديهم.
وأحيانا، في غرفة العمليات مثلا، لا يكون المتكبر النزاق أكثر من مجرد جسد «يتيبس»، فيما الأطباء والممرضون يحاولون، بعون الله، إرجاع النبض وبث الحياة في «هذا الشيء» الخشبي المسجى. وحينما يصحو، يا لهوانه، يحدق في الوجوه، هلعا وتوسما وانكسارا، ويقرأ إشارات العيون، توسلا للأمل ورحمة الله.
في الشهر الماضي، رحل «البروفيسور» الدكتور محمد التركي، رحمه الله. وكان أستاذا واستشاريا لأمراض القلب في كلية الطب جامعة الإمام عبدالرحمن الفيصل (جامعة الملك فيصل، ثم الدمام سابقا)، وكان وكيلا للجامعة. ولم يكتف الدكتور التركي، رحمه الله، بعطاء علمه وخدمة مئات آلاف المرضى، إن لم أقل ملايين، بل أسس مؤسسة خيرية، تقدم خدمات جليلة وقفا لوجه الله.
وضعتني الأقدار يوما بين يدي الدكتور التركي، في المستشفى الجامعي في الخبر. وكان وزملاؤه وطواقم التمريض، نعم الأمل، ومباركين حيثما كانوا. وكان محيا الدكتور، وحده علاجا وبلسما لأولئك الذين تهاجمهم الوساوس وهم على شفا حفرة من الموت. دفء الدكتور ولطفه يضيء الأمل، ويدعم المناعة، شعوريا، وذلك في يقيني جزء مهم من العلاج والقابلية، لأن الوساوس أسقام تضاعف أسقاما. والأرجح تكهرب الجسم وتنتج مقاومات سلبية.
أما رأيت القلقين شاحبي الوجوه تتآكل أجسادهم وتذوي، حتى وإن هبروا الطعام هبرا. فالقلق يبدو، يسري ويسمم كل خلية، وبالتالي يمنع أعضاء الجسم من العمل بكفاءة. وهذا اجتهاد مني يحتاج فتوى أطباء عدول، كي لا اتهم بالتجديف في شؤون أبقراط ومقلديه.
جزى الله الدكتور محمد التركي الأجر العظيم، وأن ينعم عليه برحمته الواسعة، ويغفر له، ويسلمه كتابه بيمينه ويسكنه جنات الخلد. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* وتر
الراحلون، ودعوا الدنيا
وهلعها وأطوارها وسمومها
وخبائث المنغصين
ينعمون الآن برحمة الله، يكتبها للذين بآياته يؤمنون
[email protected]