العمل عن بعد التحدي القادم

لم ينشأ العمل عن بعد بين عشية وضحاها، وإنما بدأ خلال الثمانينيات الميلادية مع ظهور الإنترنت بل وكان السمة السائدة في ذلك الوقت قبل ظهور المقرات الرئيسية لمكاتب الشركات في المدن. بحسب موقع دبليو دبليو أر. الأمريكي، بل وإذا أمعنا النظر فسنجد أن المتاجر قديما كانت عبارة عن إحدى الغرف في مساكن أصحاب الحرف التي تطل على الطريق الذي يذهب ويجيء منه المارة.
وعندما بدأت الثورة الصناعية التي تطلب معها بناء المصانع الضخمة خارج النطاق السكني، لكون هذه المصانع تحتوي على الآلات كبيرة الحجم وتحتاج إلى مساحات شاسعة، بدأ معها إنشاء المكاتب الإدارية للموظفين، وأصبح كل من التقنيين والمهندسين والإداريين بحاجة للتردد بين مقار عملهم ومنازلهم لإنجاز أعمالهم. وظهر معها نظام العمل لثماني ساعات، واكتظت مقرات العمل بالموظفين من الجنسين وظهرت التصاميم الخاصة بالمكاتب، والتي بدأت بالمكاتب المغلقة، ثم المفتوحة وشبه المفتوحة ثم مؤخرا المكاتب أو بيئة العمل التفاعلية كما في مقر شركة جوجل.
والسؤال هل ما زلنا بحاجة إلى تواجد كافة الموظفين في مقر العمل، أم أن تطور وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة بالإضافة إلى أزمة كورونا (كوفيد 19) كان لهما دور كبير في تفعيل ظاهرة العمل عن بعد؟ ويظهر لنا سؤال آخر ألا وهو كيف نهيئ لبيئة عمل تسهم في نجاح العمل عن بعد؟
في دراسة أجريت في كندا تبين أن العاملين في المنزل يصل إنتاجهم إلى 7.7/ 10، مقارنة بـ 6.5/ 10 للعاملين في المكاتب وفق أحد المواقع المتخصصة في التوظيف، كما أثبتت الدراسات أن العمل من المنزل يوما واحدا في الأسبوع عزز الإنتاج بنسبة 13٪. حسب الدراسة التي نشرتها الـ بي بي سي. مما يعني إمكانية تقليل فترة عمل الموظفين في مكاتب العمل، إذا لم نرد أن نصل إلى أن نجعل الموظف يعمل بشكل دائم من المنزل، ولا شك في أن النجاح الكبير الذي تحقق لكثير من المؤسسات الحكومية والشركات والمؤسسات الأهلية عبر تحويل عمل موظفيها إلى العمل عن بعد خلال فترة الأزمة، سيعطي الثقة المطلوبة للإداريين لدعم هذا التوجه، حيث إن لذلك إيجابيات واضحة عليها وعلى أفرادها.
يتضح أن العمل عن بعد له أثر كبير على تقليل المصروفات والتي تتمثل في استئجار أو بناء مبان ذات مساحات شاسعة لاستيعاب كل الموظفين، وتقليل المصروفات سيسهم في تقليل تكلفة المنتج وتقليل الهدر من الوقت في ترك الموظفين لمقار عملهم لعقد بعض الاجتماعات التي يمكن إنجازها عن بعد، كما أن الشركات الصغيرة ستكون قادرة وبشكل أكبر على الاحتفاظ بموظفيها أو تشغيل البعض بمشاريع صغيرة دون الحاجة لتوظيفهم.
أما بالنسبة للأفراد، فسيكون منها تقليل مدة التردد على العمل والتقليل من ظاهرة زحمة المواصلات الصباحية والمسائية، وسيمنح للأم العاملة فرصة لرعاية أطفالها بشكل رائع دون التقصير في إنجاز عملها الوظيفي، بل وستكون قادرة على متابعة أبنائها في منصات التعليم عن بعد بكل كفاءة.
يتضح أن لدى الجيل الجديد من الشباب ميلا للمرونة في العمل وهي أحد عوامل البحث عن وظيفة جديدة، لكونهم لن يتكلفوا مشقة الارتباط بوقت محدد أو مكان معين.. تحديدا في الوظائف التي تحتاج إلى إبداع، سيكون الموظف أكثر إسهاما عندما يكون في بيئة إبداعية عندما يعمل على الأريكة أو في شرفة أو حديقة المنزل.
فهل سنرى في القريب وبفضل كورونا، اختفاء بعض الظواهر السلبية في المجتمع، كالازدحام المروري في الصباح وظاهرة حوادث المعلمات في المملكة.. ظاهرة تعليق الدراسة في بعض المناطق... وهل ستسهم الأزمة في خلق فرص عمل أكثر عبر منصات العمل عن بعد؟
@azmani21