عشت في مدينة طرابلس الليبية عامين كاملين، كان جزء من هذا الوقت ينقضي مع الأصدقاء الليبيين، وكنا غالبا نقضيه في مقهى على البحر مقابل ميناء الشعاب الشهير بالقرب من مسجد سيدي الشعاب الذي هدم في فورة الثورة واضطراب الأمن في العاصمة، وفِي ليبيا كلها. في تلك الفترة كنت أستغرب أمرين الأول الوقت الطويل الذي يقضيه الناس، وخاصة الرجال على مقاعد المقاهي يحتسون الشاي والقهوة ويدخنون السجائر، والأرجيلة. في وسط سلسلة لا تنقطع من الأحاديث والأخبار. والثاني هو ميل الأصدقاء من أبناء طرابلس إلى روح النكتة والدعابة، واستماعهم إلى كل جديد من الأخبار بأعصاب هادئة، حتى أني بدأت أقتنع بما يرددونه بأن كل جديد وغريب من الأخبار يأتي من ليبيا. أتذكر كل ذلك، وبعد هذه السنوات، بعد أن انقشع الجزء الأكبر من غبار الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020م ولا يزال الداخل الأمريكي، والخارج الدولي منقسما حول النتيجة النهائية. سبب هذا الانقسامات أن إعلان النتائج وفوز السيد جو بايدن إلى الآن على الأقل لم يصدر من جهة رسمية حكومية أمريكية كما جرت العادة. وكل ما بين أيدينا إعلانات إعلامية بدأتها السي إن إن وتلقفتها باقي وسائل الإعلام الأمريكية ثم الدولية، إذن نستطيع القول اليوم إننا أمام النتيجة الإعلامية للانتخابات الأمريكية 2020، وتبقى النتيجة الرسمية والنهائية في أدراج الجهات المختصة إلى يوم 20 ديسمبر 2020م وهو اليوم الذي سيعلن فيه بشكل نهائي وقاطع من هو الرئيس الأمريكي السادس والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية. يزيد من هذه الحالة الاحتقانية بقاء السيد ترامب في البيت الابيض بوصفه وبطريقة رسمية الرئيس الأمريكي الرسمي إلى الآن، يضاف إلى ذلك أنه قام بعد أقل من أسبوع من يوم الاقتراع وظهور النتائج الإعلامية بفوز بايدن بحركة طرحت الكثير من التساؤلات في الداخل الأمريكي، وفِي الخارج أيضا وهي أنه أقال وزير الدفاع السيد مارك أسبر الذي قيل إنه لم يكن على اتفاق تام معه، والخطير أن البعض، وأقصد بالبعض هنا وسائل إعلام، ومحللين مستقلين ذهبوا إلى تفسير ذلك القرار بأنه نية ترامبية على التخطيط لانقلاب عسكري ينفذه عبر الجيش أو عبر قطاعات محددة في الجيش لإجبار المحكمة الدستورية بالحكم له بالفوز في الانتخابات وتثبته الرئيس الأمريكي، وليس السيد بايدن، طبعا أصحاب هذه التحليلات بنوا ما ذهبوا إليه على نسب التصويت من قبل الجيش العالية للسيد ترامب في الانتخابات السابقة، إضافة إلى تولد قناعة لدى الجمهوريين بأنهم إذا سمحوا بأن تسرق منهم هذه الانتخابات فلن تقوم لهم قائمة بعد ذلك، أخطر من ذلك ذهب بعض أصحاب تلك التحليلات إلى أن الأصل في كل ذلك هو التغير الكبير في هويات الشعب الأمريكي وخصوصا الطبقة المتوسطة منه. التي تحاول الأقليات الجديدة في المجتمع الأمريكي إفراغ دورها التقليدي من محتواه كقوة اجتماعية، وسياسية أمريكية تقليدية تقوم على العرق الابيض المسيحي. هذه أفكار في شكلها التفصيلي بعيدة الحدوث، في بلاد مثل أمريكا، يقول ذلك كل من يفهم أبعاد الدولة العميقة، والنفوذ للقوى التقليدية التي لها تأثير حقيقي وقوي، وخفي أحيانا على ما يحدث في أمريكا. ومع كل ذلك يبقى هناك باب مفتوح على حقيقة هي أن السيد ترامب، وبعض القوى الديمقراطية في المجتمع الأمريكي ماضية وربما بقوة في مراجعة كل الذي حدث في الانتخابات، وهذا التفكير يحتمل كل إمكانيات حدوث مفاجآت قد لا تكون متوقعة، وقد يعتقد البعض أنها أصبحت من الماضي. وتبقى كلمة السر هي التريث وانتظار نتائج النظر في الطعون التي قدمها السيد ترامب وفريقه، فقد تأتي المفاجآت من أمريكا.