وحين ننتقل إلى عقيدتنا الإسلامية نجد أن كل التجارب في محيطنا التي قدمتها ما يُعرف بجماعات الإسلام السياسي كانت فاشلة بامتياز، وأكثرها وضوحا تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر حيث مارسوا تجربة عشوائية صدامية ليس فيها ما يشفع لها بأن تجعل دين الناس خيارا أساسيا في حياتهم وإنما تم تشويهه بإتجار مفضوح وقبيح، وفي الوقت نفسه تم تقديم مزايدات رخيصة بين جنة موهومة في تلك التجربة، ونار ماحقة تنتظر من يعارض أو يرفض سلطتهم.. كان القوم ولا يزالون مجرد دراويش مشاغبين وصلوا في غفلة من الزمن إلى أعلى هرم السلطة ثم سقطوا.
بقيت فيما بقي من التجارب ذات العمق العقدي تجربة أردوغان تركيا، وما سبقها أو تزامن معها، مثل التجربة الإيرانية، إنما هو زبد يذهب جفاء، وفي هذه التجربة نجد اضطرابا لا يستفيد من تجارب عقدية وأيدولوجية سابقة، وإذا كان السعيد يرى في غيره ويتعظ فالشقي لا يرى، وذلك حال أردوغان وهو ينتفخ بخطاب عقدي مليء بالمزايدات الدينية التي تخفي أبعادا قومية تمتطي صهوة الدين لتنعش وتستعيد الحقبة العثمانية بكل شعوبيتها، فالرجل الآن وصل ذروة الانكشاف حيث استقطب عامة الواهمين من المؤدلجين في بداية أمره، ثم سرعان ما اتضحت حقيقته ونزعته القومية الضيقة.
تجربته بدأت مضللة وفيها انتعش الاقتصاد واكتسبت الدولة احتراما مقدرا، وفجأة شعر بالزهو ليقدم نفسه كخليفة عثماني انطلق من الحرب العالمية الأولى ليصيب هدفا ما في القرن الحادي والعشرين، وذلك تحقق نسبيا ثم بدأ المنحنى السياسي والاقتصادي في التراجع، وظهرت الدكتاتورية البشعة، وقمع الشعب، والفساد، والدخول في حروب بلهاء يمينا وشمالا، وتطفل على جيرانه، ثم متاعب اقتصادية بداية بتوقف المشاريع وضعف التمويل وانهيار العملة، في وقت يبني فيه القصور ويسرف في الصرف عليها.. ومع كل تراجع جديد لليرته التمس كتاب «نظام التفاهة» للدكتور آلان دونو وتقرأ معه فصولا مثل: البهرجة والابتذال، فقدان العقل، الكتابة على طريق الخراب، الخاسرون، الاقتصاد الغبي، وغير ذلك مما يضع مثل رئيس تركيا في الموقع الإعرابي التاريخي والسياسي والاقتصادي بكل دقة، ويجعل الجميع يعيدون التفكير في الأدوار التخريبية العظيمة للمؤدلجين الذين يصلون السلطة بتحشيد جماهيري أو ساعة غفلة من تاريخ الشعوب والمجتمعات.