في لعبة الشطرنج أقصى ما يمكنك اختياره هو لون القطعة التي تلعب بها، لكن القوانين التي تحكم علاقتك بخصمك ثابتة لا تتغير وماضية عليكما أنتما الاثنان.
لا يوجد لاعب يريد أن ينجح وينتصر وكل همه التذمر من قوانين اللعبة، وتوجيه معظم أو كل جهده لإظهار الأخطاء بهذه القوانين. إدمان الشكوى ولعب دور الضحية للأسف يهواه كثير من البشر، ويجدون فيه عذرا لإخفاقهم.
السؤال: لماذا نطعن بقوانين اللعبة؟
هل لأنه يعطينا عذرا لتخفيف عبء لوم النفس، ويظهرنا بدور الضحية التي تعاندها الظروف، ويتربص بها الزمن، وتتكاتف عليها القوى من أجل تحطيمها والنيل منها. أم لأن نظرية المؤامرة دائما ما تتحكم في ذهن الخاسر، فالضعف غالبا ما يولد لدى العاجز نظرية المؤامرة، وتحاول أن تخلع عنه المسؤولية عما حدث له، حتى يقنع نفسه بأن القوانين جائرة وهناك مؤامرة حيكت ضده !
فالبعض يعلق فشله وإخفاقه على أنه قدر مكتوب. ولعل الأمر مرتبط بالسؤال الفلسفي، هل الإنسان مخير أم مسير؟
وهو السؤال الذي يطرح فرضية أنك غير مؤاخذ على ما تفعل، لأن ما تفعله هو قضاء الله المكتوب ! وهي قولة حق يراد بها باطل !
«ريا وسكينة»
قصة شهيرة لامرأتين كانتا تسرقان ثم تقتلان النساء ثم تدفنان الجثث في قبو منزلهما، ثم تجلسان لتناول الطعام والشراب باستمتاع حقيقي. وعندما قبض عليهما وتم سؤالهما عن دوافع الجرائم، لم تزيدا على قول: «قضاء وقدر ومكتوب» !
هكذا ببساطة دون أن تظهر عليهما بوادر الندم أو الألم بما اقترفته أيديهما، إنه المخدر الذي يريح الضمير وتأنيب النفس ويخلي المسؤولية.
ألم يكن هذا القدر والمكتوب حجة مناسبة كي يجلس العلامة ابن باز رحمه الله في بيته لأنه كفيف وفقير، ولا يتعلم الفقه والحديث والتفسير والعقيدة. لكن العظماء لا تثنيهم العقبات حتى أصبح عالما في عصره، وخاض الكثير من المعارك الفكرية التي تحاك ضد الإسلام.
كل العظماء أدركوا الحقيقة التي يذهل منها البعض، إن قوانين اللعبة تقتضي ألا تتذمر مما تأتي بها الأيام، وأن تعيد تشكيل وعيك لتكون قادرا على التعامل مع التحديات التي تطرأ عليك لتتكيف معها بشكل ناجح.
أعلم أن الكلمات تبدو سهلة عند كتابتها وقراءتها، بخلاف التطبيق الذي يكون ثقيلا عصيبا، لكن روعة الحياة أنها تمضي وفق قوانين يجب احترامها.
@kha9966