LamaAlghalayini @
في القرن السابع عشر، نشر نيوتن نظريته عن "قانون الجاذبية العالمي"، والتي بقيت النظرية الوحيدة الصامدة لمئات في المجتمع العلمي، حتى بدايات القرن العشرين، حين تبين أن قوانين عالم الذرات لا تتوافق مع قوانين نيوتن، ولا مع بديهيات العقل البشري، وأن تفسيرات الكون المبنية على قوانين نيوتن أشبه بقناع وضعه الكون، وحين نزعناه تغير كل شيء فجأة، حيث حاز ألبرت اينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1921 التي عرضت تفسيرا مخالفا تماما للجاذبية عن نظرية نيوتن، ثم جاء بعده رواد ميكانيكا الكم الأوائل الذين قدموا تصورا ثوريا لفيزياء العالم ومدى تأثير الشخص المراقب على نتائج التجارب، مما جعل الفيزيائيين الكلاسيكيين قلقين للغاية حول نتائجها التي تعارض منطقهم الفيزيائي، وتربك الافتراضات السابقة لترجمة معنى الواقع، وتصريحاتهم بأن الطريقة التي يتصرف بها العالم تتوقف على كيفية نظرتنا له، ولقد دفعت تلك التخمينات التي أثارتها النظرية الكمومية بأحد أهم رواد الفيزياء الكمية، وهو نيلس بور للقول بأن أي شخص لم تصدمه النظرية الكمية فهو لم يفهمها بعد، فهي صادمة لأنها تجعلك تعيش في حالة الاحتمالات، بحيث يفصل بينك وبين عالمها ستار، لا تستطيع أن تتكهن بما يجري وراءه إلا إذا رفعته.
فالتطورات والتجارب التي تتابعت بعد ذلك، جعلت العقول في حيرة، وخاصة تجربة الإلكترون والشق المزدوج، وهي أهم التجارب التي بنيت عليها ميكانيكا الكم والتي أعطت تعريفا فلسفيا لميكانيكا الكم، في تأثير الوعي على عملية الرصد، وتجعلنا نصل لحقيقة واضحة بأن الواقع من صنع وعينا وعقلنا، وأن رصدنا للإلكترون هو ما جعله يتخذ سلوكا معينا، موجيا أو جسميا، وبالتالي فكل ما نراه ونسمعه ونحسه ونتذوقه ونشعر به في هذا الكون هو في الحقيقة مجرد أشياء يصنعها عقلنا ووعينا من بين ملايين أو مليارات أو ما لانهاية من الاحتمالات، لوجود أشياء أخرى كانت محتملة الحدوث في واقعنا غير ما حدث بالفعل وأدركناه نحن في هذا الواقع، فالكون وكل ما فيه، سواء أنا أو أنت أو أي شيء عبارة عن احتمالات كثيرة ولا نهائية وغير مرئية من الأمواج والطاقة، ورصدنا لها يجعل هذه الاحتمالات تتجسد في احتمال مادي واحد، وهذا الرصد أو المراقبة أو المشاهدة أو التعاطي يكون بالعقل ويدرك بالوعي، وبالتالي فإن عقلنا هو المتحكم في كل الواقع الذي نعيشه، وتظهر لنا فيزياء الكم أن العالم من حولنا ليس شيئا جامدا كما قد يبدو، بل على العكس من ذلك فهو يتغير باستمرار، ويتشكل من أفكارنا الفردية والجماعية، فالعالم الخارجي من حولك ينبثق من العالم الداخلي لأفكارك، فكل إنسان يصنع كونه الخاص بواسطة مراقبته وترجمته للأحداث من حوله، وجميعنا نشارك في صناعة واقعنا الذي نعيش فيه، والأمور تحدث من خلالنا وليس من حولنا، وهذا يعني أنك مسؤول عن صناعة حياتك، فما تفكر فيه تحصل عليه، والطريقة التي تراقب بها الأحداث هي التي تطبع بطابعها حياتك، لأن الكائن لا يوجد بشكل مستقل عن مراقبته، فملاحظتك واهتمامك بشيء ما ونواياك نحوه، هي التي تجسد حدوث هذا الشيء، وموقف المراقب يمكنك من مراقبة العالم إما من موقع الضحية أو من موقع الفائز، ولا يوجد طريق ثالث، لأن العقل ينقسم إلى مفيد وعديم الفائدة، جيد أو سيئ، ولكن التحدي الأول في اللعبة الداخلية لصناعة واقعك الجديد هو في تغيير برمجتك القديمة في تفسيرات الأحداث، لأننا في 99 ٪ من الحالات نفسر ونراقب الحدث الحاضر على أساس صور ومبرمجات جاهزة من الماضي، ولهذا يتكرر ظهور نفس الأحداث، لأن العالم الداخلي للمراقب لم يجدد برمجة الملفات الداخلية.
LamaAlghalayini @
LamaAlghalayini @