قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. عبدالله الجهني، إن الله مَنّ علينا بكتابه القويم، وجمّل الإنسان بالبيان، وجمّل البيان بالقرآن، وخصّه بمعجز دل على تنزيله، ومنع من تبديله، فهو كلام العليم الخبير، يستزيد المسلم منه خزائن علمه -سبحانه وتعالى-، ويطرق أبواب حكمته، به ينتظم حياة المسلم، ويعالج مشكلاتها والطوارئ عليها، ويعيش مع المسلم في خصائص ذاته، ولا يهمل منها شيئًا، وبين أيدينا آيات بيّنات من سورة الإسراء وتسمى سورة بني إسرائيل، وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- قراءة هذه السورة قبل أن ينام. وأردف قائلًا إن تلكم الآيات، يا رعاكم الله، هي سبع عشرة آية مرتبة ترتيبًا بديعًا من حكيم عليم، ذكر فيها خمسة عشر تشريعًا هي أصول التشريع الراجع إلى نظام المجتمع، تظهر فضائل من شريعة الإسلام وحكمته، وما علمه الله لعباده من آداب المعاملة نحو ربهم سبحانه، ومعاملة بعضهم مع بعض، والحكمة في سيرتهم وأقوالهم، ومراقبة الله في ظاهرهم وباطنهم.
وبيّن فضيلته في خطبة الجمعة أمس أن تلكم الآيات افتتحت واختتمت بنبذ الشرك والتحذير منه، فهو أعظم ما نهى الله عنه -عز وجل-، وذلك أصل الإصلاح، فإصلاح الفكر مقدّم على إصلاح العمل، ثم عطف بالإحسان إلى الوالدين بجميع وجوه الإحسان القولية والفعلية في كل مراحل حياتهما، وحق ذي القربى والمسكين وابن السبيل والإحسان إليهم، والتوسط في الإنفاق وعدم التبذير، ومواجهة المحتاج بالقول الميسور عند عدم وجود ما يتصدق به، ورعاية حق الأولاد في الحياة وعدم قتلهم خشية الفقر، ولما كان من أنواع السلوك في حياة الإنسان تلبية رغباته الجنسية، كان من الحكمة سلوكًا ألا يتم ذلك عن طريق الزنا، بل عن طريق ما شرع الله، وكذلك جاءت الآيات ناهية عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والنهي عن الإسراف في الانتقام، والنهي عن قرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، والأمر بالوفاء بالعهد، وبإيفاء الكيل والوزن بالقسطاس، والنهي عن اتباع ما ليس للإنسان به علم، والنهي عن الكبر والعجب والاحتيال.
وأضاف الشيخ الجهني: إن أهل العلم قالوا إن هذه السور متقدمة النزول على غيرها من السور في كتاب الله تعالى، أو إنها من المفضلات، ولغة العرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقًا يريد تفضيل هذه السور، لما تضمن مفتتح كل منها من أمر غريب، وقع في العالم خارقًا للعادة، وهو الإسراء، وقصة أصحاب الكهف وقصة مريم، ومعجزات الأنبياء ونحوها.
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. علي الحذيفي، المصلين بتقوى الله -جل وعلا- بالتقرب إليه بالأعمال الصالحات، ومجانبة المحرمات، فما فاز إلا المتقون، وما خاب وخسر إلا المتبعون للأهواء والمفرّطون والإقبال على كتاب ربكم، ففيه عِزكم وسعادتكم وصلاح أحوالكم، وفيه فوزكم بعد موتكم، وبه عصمتكم ونجاتكم من الفتن التي تتكاثر كلما قربت القيامة، وتشتبه في أول ورودها وتستبين في آخر أمورها، فلا ينجو منها إلا مَن اعتصم بالقرآن والسُّنة ولزوم الجماعة.
وقال: تدبّروا كتاب الله -عز وجل- واعملوا به، واحفظوا من سُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يقوم به الدين، وتصحّ به العقيدة، وتكمل به العبادة، لاسيما الأحاديث الجامعة لأحكام الإسلام المشتملة على الفضائل، واعرفوا معانيها للتمسك بها والعمل، فهذا منهج السلف الصالح الذين قال الله تعالى فيهم: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم».