ومن هنا يمكن فهم قدرة حركة الترجمة على توليد الأفكار وخلق روح المواكبة والتطوّر الحاصل ثقافيا وفكريا ما يساهم في خلق الإثراء وفتح أفق البحث والفهم ما يعكس صورتنا قبل صورة الآخر، لأنه كلما كان نشاط حركة الترجمة كان الانفتاح أكثر سهولة، والمعرف أكثر قربا وسلاسة والتواصل أكثر أهمية من خلال التعرّف والاطلاع والتحفيز على البحث.
ولعلنا هنا نستذكر الروائع الأدبية العالمية المترجمة، التي نقلت القارئ من بلد إلى بلد، وتجوّلت به من ثقافة إلى أخرى، ما وسّع فضاءات خياله وأثار محتوى تطلّعه، الذي ضمن تعميق مُدركاته الحسية وتحفيزه على فهم الآخر وتعلم لغته ومخاطبته بقرب وحتى نقده والاستفادة من ثغراته بالاكتمال الثقافي لهويّته.
إن حركة الترجمة سواء من العربية إلى لغات أخرى ومن لغات أخرى إلى العربية قادرة على تنشيط الثقافة والخروج بها من محليّتها إلى العالم، واستيعاب الثقافات المختلفة محليا وخلق همزة وصل مهمّة وناجعة قادرة على تركيز التنوّع وتحفيز الفضول للبحث والمعرفة والمقارنة والفهم والاستيعاب، وبالتالي كسر حواجز الغربة، التي قد تجعل بعض الثقافات غير مألوفة.
إن الترجمة ليست مجرد حركة فردية، ولا هي مبادرة خاصة من مؤسسة، بل هي ميكانيزم ثقافي حيوي ومتكامل بين المؤسسات والمثقفين والمطّلعين قادر على بث روح التواصل والعمل والاستثمار في الفعل الثقافي المحلي والعالمي قادر على مواكبة الإصدارات الأكثر تأثيرا في كل المجالات الثقافية وكل القطاعات بما يسمح بخلق مساحات بحث قادرة على تشريك المختصين والمهتمين باللغات والترجمة والتعريب بما يضمن تفاعلا وترابطا.
إن ما نحن بحاجة له تحديدا هو تنظيم المساحة القادرة على خلق وسيط عميق الوعي بأهمية الكتاب المترجم والتحفيز على القراءة بخلق منافذ معرفية نحو الآخر برؤية انفتاحية، لأن التكفل بالترجمة يحتاج إلى الكتابة والبحث والنشر على مستوى عالٍ ومواكبة الوسائط الرقمية ومد جسور تواصل ثقافي داخلي بين المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث محليا وعربيا ودوليا بما يضمن تحقيق الفائدة العامة والاستفادة من كل الخبرات بالشكل الأمثل.
yousifalharbi@