مدى جرمية الاستفزاز؟ انطلاقا من قاعدة «لا عقوبة بلا جريمة ولا جريمة بلا نص»، وبعد البحث والتروي في التشريعات وآراء الفقهاء لم نجد نصا يفصح لنا بأن الاستفزاز في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك لعدم وجود الاعتداء على النفس وما دون النفس من السب أو القذف أو الاتهام، إنما هو إلا سبب من الأسباب أو الأعذار المؤدية لارتكاب الجريمة الموجبة للعقاب المقرر. كما يجب أن نشير في هذا السياق إلى أن الاستفزاز أمر مختلف تماما عن الإيذاء، وهذا يتضح لنا جليا من خلال نصوص نظام الحماية من الإيذاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم: (م/52) وتاريخ: ١٥ /١١ /١٤٣٤هـ.
أعذار الاستفزاز؟ هي الأسباب التي يمكن أن يجدها قاضي الموضوع متزامنة مع الفعل الجرمي للجاني (المستفز)، والتي تعطي للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالإعفاء أو التخفيف من العقوبة، متى ما ثبت بأي وسيلة من وسائل الإثبات أو القرائن المصاحبة أن إقدام الجاني على الجريمة سببه هو الاستفزاز. وعلى خلاف الأسباب القضائية والقانونية الأخرى، فإن أعذار الاستفزاز ليست من حق النظام أو الشرع، ولا من حق الجاني، إنما هي من حق قاضي الموضوع الذي يملك الحكم بالعفو أو التخفيف تبعا لسلطاته التقديرية الممنوحة، ما لم يحدد المنظم له سلفا آلية أو شروطا معينة على الجرائم في الإعفاء أو التخفيف من العقوبة.
ختاما، لم يسلم نبينا محمد ﷺ من الاستفزاز والأذى من الأعداء، يظهر لنا ذلك جليا في حديث روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله ﷺ، فقالوا: السام عليك أبا القاسم، فقال النبي ﷺ: «عليكم»، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال النبي ﷺ: «يا عائشة إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله»، قالت: قلت: أولم تسمع يا رسول الله ما قالوا؟ قالوا: السام عليكم، فقال: «قد قلت عليكم»)، حديث صحيح يبين حكمة وروية رسول الله ﷺ في التعامل بصبر على البلاء والرفق حتى مع الأعداء، فليكن لنا في رسول الله ﷺ القدوة وواجب الاتباع. هذا ولا تنسونا من تعليقاتكم على ما قدمناه دون استفزاز وفي حدود ما هو بناء.
@ay_ed_m