قد يستغرب البعض الحديث في هذا الوقت عن فترة ما بعد كورونا أو أنه يرى أن الحديث عن هذا الموضوع في الوقت الحاضر يجيء مبكرا أو قبل أوانه، وأنه كان علينا الانتظار حتى نرى المستجدات التي يمكن من خلالها التفاؤل بزوال الجائحة وآثارها، والتأكد أننا نسير فعلا نحو عهد ما بعد كورونا وهو أمر قد يطول -لا سمح الله-.. على أية حال فإن من يرون هذا الرأي لديهم من المبررات الكثيرة التي قد لا نختلف معهم عليها لأن الخلاص من كورونا ليس بالأمر الهين، خاصة إذا نظرنا إلى آثار هذا المرض سواء على حياة الإنسان أو على طريقة معيشته وحتى على سبل وموارد رزقه في سائر الأقطار يتساوى في ذلك الناس في العالم المتقدم مع غيرهم في العالم الثالث، ولا على فظاعة آثاره التي وصلت إلى إصابة أكثر من خمسة وستين مليون إنسان، ووفاة ما يقارب ستة ملايين إنسان حتى الآن فيما بلغ عدد الإصابات التي تعافى أصحابها والحمد لله حوالي خمسة وأربعين مليون شخص.. لكن ما يقوله المتفائلون ونحن منهم له مبرراته أيضا، فهم يذكرون أن البشرية قد تعرضت لمثل هذه الكوارث أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الله سبحانه وتعالى يخرجها منها برحمته وقدرته، وهو الذي سيعينها على الخروج من هذه الجائحة أيضا بإذنه تعالى، ومن الأسباب التي تبعث على التفاؤل كذلك ما يتواتر كل يوم من أخبار اكتشاف اللقاحات الواقية من هذه الآفات في أكثر من بلد من بلدان العالم، وسرعة وصول العلماء والباحثين إلى هذا اللقاح في وقت يعتبر قياسيا بالنسبة لغيره من اللقاحات والعقاقير مما يبشر -إن شاء الله- بالوصول أيضا إلى علاج للمرض بعد أن تم التوصل إلى هذا اللقاح الذي سيقي الكثيرين بعون الله من الإصابة بكورونا وإن كان لا يشكل علاجا لمن يصابون به فعلا. كما أن الإحصائيات التي تصدرها مختلف الدول أثبتت أن الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها ساهمت بشكل كبير في الحد من انتقاله إلى مزيد من الناس، وخاصة التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامة بالشكل الصحيح التي تشير هذه الإحصائيات إلى أن استعمالها باستمرار وعلى الوجه الذي ينصح به المختصون ساهم بمنع انتقال المرض بما يصل إلى ما نسبته 80% من الحالات، إضافة إلى اتساع انتشار ثقافة الالتزام بهذه الإجراءات الاحترازية بين الناس، والتحول في إنجاز الأعمال وعقد الاجتماعات الافتراضية عن بعد بما فيها اجتماعات رؤساء الدول والوزراء وغيرها واستخدام التقنيات المتاحة، وفي هذا المجال لا بد هنا من الإشادة بقدرة مؤسسات التعليم في بلادنا على تحقيق مستوى عالمي من التحول في وقت قياسي مما ساهم في حماية أبنائنا وبناتنا الطلبة والطالبات، وفي الحد من انتشار المرض بينهم أو من خلالهم إلى أفراد أسرهم حتى أن كثيرا من المصادر الإعلامية الدولية تعد المملكة العربية السعودية من بين أكثر الدول استجابة لتحدي التحول للتعليم عن بعد في مراحله المختلفة وبوقت قياسي رغم اتساع الرقعة لهذه الدولة القارة. ولعله من الضروري القول إنه حتى في حالة انحسار المرض -بإذن الله- ينبغي علينا الاستمرار في ممارسة ما اكتسبناه من العادات الحميدة أثناء الجائحة والتي أثبتت جدواها في الحد من انتقال العدوى سواء عادات التحية والسلام وتجنب المبالغة في الاحتضان والعناق أو الازدحام في الصالات وفي الشوارع وأماكن العبادة والعمل وخاصة في المناسبات، وهي عادات حسنة ينبغي أن نحرص على استمرارها حتى بعد الخلاص من هذا المرض -بإذن الله- لأنها تقلل من الإصابة بالأمراض التي تنتقل بالعدوى بسبب الالتصاق والاحتكاك المباشر والاكتظاظ والازدحام في الأماكن المغلقة، إضافة إلى تعقيم الأماكن والأيادي والحرص على نظافة بيئة العمل والمدارس وعزل المرضى وقبل ذلك وبعده أخذ تطعيمات الأمراض المعدية التي تحرص الدولة على توفيرها للمواطن في سبيل المحافظة على سلامة المجتمع بجميع أفراده من المواطنين وغيرهم في أوقاتها، ومما ينبغي أن نحرص عليه أيضا هذا التكاتف المنقطع النظير الذي يشهده مجتمعنا في مواجهة الجائحة ودعم الفئات المحتاجة التي تضررت اقتصاديا ومعيشيا بسببها، إضافة إلى التفاني وصدق الانتماء الذي أظهره العاملون في القطاعات الصحية والأمنية والتعليم بشكل خاص والعديد من القطاعات الأخرى، وكذلك وفاء الكثير من المؤسسات والشركات في القطاع الخاص بالمسؤولية الاجتماعية لهذا القطاع تجاه الوطن والمواطنين، كل هذا وكثير غيره من الإيجابيات التي شهدتها هذه الفترة على صعوبتها ومرارة أحداثها ينبغي البناء عليها والمحافظة على استمرارية الإيجابية منها حتى بعد زوال كورونا القريب -بإذن الله-.
Fahad_otaish@