هناك نوعان من الأحاديث التي تنخرط فيها كل يوم، أحاديثك مع الآخرين، وحديثك مع نفسك، وقد تكون من أولئك الذين يصرون على أنهم لا يتحدثون مع أنفسهم، لكن حقيقة الأمر هي أن القسم الأكبر من الأحاديث التي تجريها في أي يوم من الأيام هي تلك التي تجريها مع نفسك، وتستمتع بها داخل رأسك، فسواء كنت منطويا أو منفتحا، مبدعا أو ماهرا في الأمور العملية، فإنك تنفق أجزاء من وقتك في الحديث مع نفسك، وأنت تفعل هذا خلال ممارستك التمارين الرياضية، وخلال عملك وقراءاتك وكتابتك وتجوالك، وحين تجادل أو تخطط أو تتأمل، وخلال فعلك أي شيء، والواقع أنك تتحدث مع نفسك الآن في هذه اللحظة، ولا تقلق فهذا لا يعني أنك مجنون، بل تقول الدراسات إن أكثر من خمسين ألف فكرة تنشأ لدى الواحد منا في كل يوم، ورغم أننا لا نملك السيطرة على هذه الأفكار التلقائية، ولكن لدينا قدرة كبيرة جدا على أن نختار من بينها الأفكار التي نعتبرها ذات أهمية، لأن آخر ما توصل إليه علم الأعصاب يعزز الفكرة القائلة بأن نوع الأحاديث التي تنخرط فيها له أثر عميق على جودة حياتك، وأن الصلة بين ما نقوله وإحساسنا تجاهه هي صلة معروفة منذ مئات السنين، والخبر الحسن هو أن الدراسات تؤكد مرارا أن الحديث الإيجابي مع النفس يمتلك قدرة كبيرة على تحسين المزاج، وزيادة الثقة ورفع الإنتاجية، وأمور أخرى كثيرة، وأن ذلك الحديث يعتبر عنصرا أساسيا من العناصر التي تكون الحياة السعيدة الناجحة، وأما الخبر السيئ فهو عكس ذلك، فلا يقف أثر الحديث السلبي عند جعلنا في حالة مزاجية سيئة، بل هو قادر على جعلنا نشعر بالعجز، وتضخيم المواقف العابرة لتبدو أكبر حجما، مما يؤدي إلى إحباطك مرة بعد مرة عبر مونولوج الهزيمة الذاتية المستمرة، حيث يساهم في الإصابة بالاضطرابات النفسية بما في ذلك الاكتئاب والقلق والشره المرضي العصبي، وهو مبني على معتقدات تكونت عن أنفسنا وتطورت خلال فترة الطفولة بناء على آراء من حولنا، وخاصة الوالدين، فهذه المعتقدات الباطنة بمثابة العدسة التي ينظر من خلالها إلى الحاضر، ولهذا يؤكد المعالج النفسي المعرفي «ألبرت أليس» أنه إذا كان القسم الأكبر من المشاعر البشرية ناتجا عن التفكير، فقد يكون من المنطقي أن يلجأ المرء لإدارة مشاعره عبر التحكم بأفكاره، أو تغيير الجمل التي يقولها في نفسه، بحيث يتمكن من تلطيف مشاعره بذلك، وهو يلجأ في ممارساته العلاجية لمساعدة الأشخاص على التعرف على الحديث الذاتي السلبي والتعرف على المعتقدات التي تكشف نظرتهم للعالم، وينصح دوما باللجوء لإستراتيجية سلسة لتطوير الحديث الإيجابي مع الذات، وهو مراقبة المونولوج الداخلي وتذكيرك لنفسك بعدم إخبارها أبدا بما لا يمكن أن تقوله لصديق، فالحياة التي تعيشها الآن ليست إلا انعكاسا لنوع حديثك الداخلي وأفكارك واختياراتك، فكل أزهار الغد متواجدة في بذور اليوم وكل نتائج الغد متواجدة في أفكار اليوم.
LamaAlghalayini @