إن أمر المقارنات وما ينتج عنه من مشاكل وخيمة على النفس، لا يقتصر على مقارنة الأشياء المادية والملموسة، بل يتعدى ذلك ليرغب الناس في تبني نفس الأفكار، والتحدث بنفس اللغات واللهجات، ومن هنا قد يحدث الانفصام وتندثر هوية الشخص الفردية، ويتخلى بذلك عن اختلافه وتميزه، وعن كونه هو الآخر ذات منفردة من نوعها ولها أفكار ملهمة واستقلاليتها الخاصة.
يرى طب النفس الحديث أن دخول المرء في شبكة المقارنات يأتي غالبا من تلك، التي كانت تفرض عليه في طفولته، سواء مقارنات مع أطفال العائلة أو أبناء الجيران، أو بين الإخوة من نفس الأسرة وتحت سقف واحد... ويعتبر هذا الأمر من مخلفات الموروث الخاطئ وثقافة التقليد والتنافس، التي جعلت منا في نهاية المطاف أناسا سطحيين كل همهم هو الإنجاز أفضل من الآخر وكفى، مع العلم بأن المسمى بالأفضل هو تعريف توارثته الأجيال ولا صحة له من الأساس.
إنه لضرب من الجنون أن تقارن نفسك بالآخرين وأنت لم تمر بنفس الظروف ولم تتلق نفس التربية، ولم تطور نفس ميكانيزمات التفكير والتحليل لتأخذا نفس القرار وتنجزا الأمور على نفس المنوال وتبلغا النتيجة ذاتها، إذ كيف لعداءين انطلقا بسرعة متفاوتة أن يصلا محطة النهاية في نفس التوقيت؟ هذا مستحيل.
في الختام، علينا أن نتعلم ونعلم أبناءنا أن لكل نجاحه الخاص، ولكل ذكائه الخاص، ولكل منهجيته وطريقته الخاصة في التعامل مع الأمور... لقد خلقنا الله منفردين من نفس المصدر لكن لا وجود لنفوس متطابقة، كل واحدة لها خصائصها ومميزاتها، ولها من الإمكانات أن يصبح المستحيل ملك بنانها.
لهذا تذكر ألا تقارن نفسك بموسم حصاد الآخرين... فلربما تلك نهايتهم وبدايتك أنت لم تأت بعد.
alharby0111@