هذا الوضع الجامد عربيا، والمتحرك إقليميا أفقد منظومة الدول العربية المستقلة أو الوحدات السياسية العربية الفاعلة أو النشطة أربع دول هي العراق المسيطر على قرارها السياسي الداخلي والعربي من الخارج، ولبنان التي يديرها حزب يحرك بأدوات سياسية واقتصادية من الخارج، ثم سوريا، واليمن والتي فتت شكل وبنية الدولة فيها تقاطع خطوط القوى الإقليمية المذكورة فيها، واتخذ التنفيذ أشكالا وتمظهرات نفذتها الأحزاب والجماعات التي سلبت دور الدولة وفتتت مؤسساتها.
أرض فلسين، والسلطة الوطنية الفلسطينية، والشعب العربي الفلسطيني، هي مترادفات تستخدم أحيانا بغير وعي سياسي، وتستخدم أحيانا لتحقيق مكاسب للغير بعيدا عن المصلحتين العربية، ثم الفلسطينية، بمعنى أنها تحقق مصالح الآخرين في تعاطيهم مع هذه الأشكال، والمسميات. حيث دفعت هذه المنظومة المتضاربة، والمتناقضة أحيانا لإفراغ البعد والرمزية الفلسطينية من معناها، وأصبح الشكل الذي اتصل به الفلسطينيون قبل غيرهم لأنفسهم معبرا عن سلطة محدودة المسئوليات تعيش في كنف دولة أقوى أمنيا، وعسكريا، وأقوى من حيث القدرة على تحصيل التعاطف الدولي. في هذا الوضع كان المتوقع أن يكون هناك عمل جاد من الجانب الفلسطيني، من كل الفلسطينيين ثم من العرب لتوسيع الصلاحيات، السياسية، والسيادية، والأمنية، لإبراز دولة أجمع العرب على شكلها وحدودها، وعاصمتها، وحق عودة أبنائها إليها. لكن الذي حدث خلال أكثر من عقد كان مدهشا بمعنى الكلمة، حيث تمزق الصف الفلسطيني الواحد، وكان هذا التمزق، مؤشرا لعنصرين الأول، عدم تجانس المواقف الوطنية لكل دولة عربية مع هذه المساحة الواسعة من الخلاف بين الفلسطينيين، والثاني أن الدول الإقليمية وبتقاطع مصالحها مع هذه القضية زادت من حدة الانقسام الفلسطيني، وجاءت جماعات الإسلام السياسي المدعومة إقليميا لتبث الخلاف وتمنع كل سبيل إلى تداركه. هذا الوضع أنتج سلطة وطنية فلسطينية منزوعة الدسم من قبل من رضي بقيامها، وأخيرا من قبل من اعتقد أنها ستكون خطوة إلى الدولة الفلسطينية المنشودة، أي من قبل الفلسطينيين أنفسهم بكل وضوح. وكانت هناك أيد خفية أنتجت سلطة تحوي عيوب معظم دول العالم الثالث ومن بينها أفشل الدول العربية، حيث أصبح السياسيون في هذه السلطة يتنافسون في الفساد المالي، والإداري، والسياسي، في الوقت الذي تزداد معاناة الفلسطينيين من نقص الخدمات الأساسية، ومن رفض دول مثل الولايات المتحدة للاستمرار في تمويل مؤسسات غوث وإعالة الفلسطينيين مثل الأونروا، التي يقف على دعمها بشكل واضح دول عربية قادرة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
كل هذه الأسباب بالإضافة إلى غيرها من الأسباب الأخرى، أنتجت تغيرا سياسيا في المنطقة يعتقد أنه بدأ يتبلور عبر دعم وتأييد قوى دولية له. بتجريب العرب لأطرافهم البعيدة لإيجاد صيغ أكثر معقولية لأمرين مهمين لدى كل فاعل سياسي دولي، هما: إيجاد بيئة أكثر ملاءمة ومعقولية للحفاظ على نظام سياسي عربي، يحفظ للفلسطينيين حقوقهم، ويوقف تدهور الوحدات السياسية العربية التي كانت مستقرة، والتي تحولت إلى دول للفوضى وتبدد شكل الدولة فيها لمصلحة الأحزاب والميليشيات، والحشود.
مباشرة السعي لحل القضايا العربية العالقة، وتطوير التعاون مع بعض الجهات الإقليمية وتفويت الفرصة على أطراف إقليمية أخرى، تتاجر بقضايا العرب، وتدعي أنها تحارب، باسمهم ونيابة عنهم، وهي في الحقيقة تهدم كل تقدم أو تطور يهم الفلسطينيين والعرب عامة.