وتشمل إجراءات ماكرون متابعة التمويل الذي تحصل عليه المؤسسات هناك بصفة عامة، والمساجد خاصة، ومنع استقدام الأئمة من دول أجنبية كي يتمّ تحرير خطابهم الديني من أي أهداف سياسية وأيديولوجية، وكذلك حظر الترويج لسياسات الحكومات التي تقدّم لهم الدعم المالي، لا سيما تركيا.
ولفتت صحيفة «لوفيغارو» إلى الحذر الذي يتبناه الساسة الفرنسيون نحو رجب طيب أردوغان بعد البرود الذي طال العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة خاصة بعد الحرب الكلامية التي شنّها الرئيس التركي على نظيره الفرنسي.
ويقول جان شيشزولا، في مقال بالصحيفة الفرنسية: إنّه ومع فرض عقوبات أوروبية أوّلية على تركيا، تعمل باريس على وضع حدّ لتدخل أنقرة في الشأن الداخلي عبر منع التمويل التركي للمساجد وبعض الجمعيات وإنهاء عملية تكوين الأئمة الفرنسيين في تركيا أو عن طريق تمويل تركي.
وتقول «أحوال» في تقرير كتبه من باريس، الصحفي عبدالناصر نهار: يؤكد مراقبون أنّ لفرنسا دورا كبيرا في الضغط باتجاه تبني الاتحاد الأوروبي المنقسم على نفسه لفرض عقوبات على تركيا، تمكن أردوغان مرارا عبر توظيفه لملف الهجرة من تلافيها.
الإجراءات الأوروبية
ويرى جان شيشزولا، أنّ هذه الإجراءات والقوانين الأوروبية ضدّ أنقرة، سوف تنعكس حتماً على الجالية التركية في فرنسا التي تُقارب المليون شخص، جالية يعمل بعضها في مهن مختلفة وتنشط في الدين والثقافة والسياسة.
ومن أهم المؤسسات الفاعلة يقول الكاتب مؤسسة «ديتيب» المرتبطة باتحاد الشؤون الدينية التركية، التي تضم لجنة التنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا.
ونقلت «لوفيغارو» عن مصدر في المخابرات الفرنسية: إن بعض الأئمة الذين جاؤوا إلى فرنسا عبر هذه المؤسسة يعملون على تشويه صورة البلد لدى أبناء الجالية التركية، موضحا أن بعض رجال الدين يشددون على تلقين الأطفال الصغار أنّ رئيسهم هو رجب طيب أردوغان وليس إيمانويل ماكرون.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه مؤخراً «المعهد الفرنسي للرأي العام»، فإنّ 74% من الفرنسيين المسلمين ممن تقل أعمارهم عن 25 عاماً يضعون قناعاتهم الدينية فوق قوانين الجمهورية.
ويرى متابعون أنّ فرض الاتحاد الأوروبي لعقوبات على تركيا يمثل انتصارا دبلوماسيا لفرنسا التي تقود ضغوطا كبيرة لمحاصرة الأجندات التركية التوسعية على أكثر من جبهة بدءا من شرق المتوسط وسوريا وصولا إلى ليبيا وناغورني كاراباخ.
عشوائية أردوغان
ودفعت التصريحات العشوائية غير المسؤولة للرئيس التركي خلال الأشهر الأخيرة فيما يتعلق بأزمة الرسوم المسيئة، التي سعى لاستثمارها سياسياً، إلى توليد عدّة حوادث ضدّ أتراك موالين له مقيمين في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا وألمانيا.
ويرى متابعون، أنّ هذه التهديدات للمسلمين تعكس حجم التأثير السلبي للمنظمات الإسلامية ذات الطابع المتشدد والفكر الإخواني في تلك الدول.
ويقول خبراء في الإسلام السياسي: إنّ تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، يعكس حجم التأثير السلبي للمنظمات ذات الطابع المُتشدد والفكر الإخواني، كالاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، المُتهم بالسعي لعزل المسلمين عن مجتمعاتهم.
ويبدو أن تطورات الأزمات المُتصاعدة بين باريس وأنقرة سوف يكون لها وقع ملموس على مسار سن «قانون الانفصاليين» مطلع 2021 كما تم تعريفه رسمياً، وهو حسب الحكومة الفرنسية قانون يهدف إلى إعادة بسط سلطة الدولة في كافة المناطق الفرنسية من مدن وضواحيها، التي تتحكم فيها جمعيات وتنظيمات ترفض الخضوع لقوانين ومبادئ الجمهورية وتروج لفكرة تطبيق الشريعة على المواطنين الفرنسيين المسلمين خارج نطاق القانون المحلي.
تجييش التطرف
وردّاً على مواصلة أردوغان تجييش التطرف السياسي ضدّ باريس، شدد رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس، في مقابلة مع صحيفة «لوموند»، على أن العدو الذي يهدد فرنسا اليوم يهدف إلى تقسيم الفرنسيين فيما بينهم، موضحا أن مشروع قانون تعزيز المبادئ الجمهورية ومكافحة الانفصالية يسعى إلى محاربة الإسلاميين الراديكاليين وليس المسلمين على أرض فرنسا.
وفي سؤال حول المستهدفين من هذا القانون يقول كاستكس: إنه يستهدف جميع من يحاول معارضة القيم والمبادئ الفرنسية بما في ذلك بعض الممارسات الدخيلة على المجتمع الفرنسي مثل شهادات العذرية والزواج القسري. وكان وزير الخارجية جان ايف لودريان، أكد الخميس أنّ بلاده تكن احتراما عميقا للإسلام والمسلمين وبعض التصريحات تمّ تحريفها للإساءة إلى فرنسا، في إشارة معروفة لتيارات الإسلام السياسي الموالية لأردوغان. في إشارة لتنظيم «الإخوان المسلمين».
بالمقابل، وفي إطار حملته التحريضية المستمرة ضد فرنسا ورئيسها، وجّه الرئيس التركي الأربعاء، انتقادات لاذعة إلى فرنسا قائلا إن باريس «باتت مكانا تنتشر فيه العنصرية بكثافة في الآونة الأخيرة»، فيما صنف متابعون تصريحات أردوغان ضمن خانة التوظيف السياسي والتجييش المفضوح ضد خصومه الأوروبيين لاسيما فرنسا الحازمة في التصدي لأطماعه التوسعية.