n حال وصولي المطار، البعيد عن مدينة الباحة شرقا، حيث واحة العقيق أول المستقبلين، وقد أصبحت محافظة العقيق، اسم استحقه نخلها المحدود والمشهور. أنت لا ترى نخيل الواحة، فالمطار والطريق يقع بطرفها، ولكن تشعر بارتفاع درجة الحرارة، فتعرف أنها موطن النخل الصالح لاستيطان هذه الأرض، التي تلتقف مياه السيول القادمة من الجبال البعيدة الباردة، وتوظفه لصالح حياة استوطنت هذا المكان عبر التاريخ.
n تنقلك السيارة غربا إلى منطقة البرودة، وموطن (الرابضة). وتتفاجأ بفنون نحت الطريق المزدوج البارع في الجبال السمر. يأخذك بمسارات واسعة، منارة بالكهرباء، إلى مدينة الباحة، عاصمة منطقتها، وعاصمة السحاب في المملكة.
n الباحة مدينة استثنائية، ليس لها حدود، ولكنها تتواصل مع مواقع قرى المنطقة المتقاربة، لتصبح منطقة الباحة بكاملها مدينة واحدة، تعيش على ضفافي الطريق العام الذي يربط بين محافظة الطائف ومنطقة عسير.
n تشرف أطراف قمم جبالها الشاهقة الغربية على سهول تهامة، في مشهد جيولوجي أخاذ واستثنائي، وقد جعلت الجيولوجيا الجبال جدارا حجريا طبيعيا، ينغرس أساسه في تربة أرض هذه السهول، ويرتفع في فراغ السماء بمسافة تزيد على ألفي متر، وبزاوية شبه قائمة. حيث تنتقل من بيئة إلى أخرى في أقل من نصف ساعة، عبر عقبة منطقة الباحة التي حولتها الهمة السعودية إلى معجزة، عبر طريق مهيب، يربط سهول تهامة الحارة بالسراة الباردة.
n في الطريق من العقيق إلى مدينة الباحة، وبالقرب من الجسر الشهير، الذي يعلن اقتراب المسافر من حدود وموقع جامعة الباحة، قابلت لوحة إرشادية، تشير إلى مخرج جانبي يؤدي إلى بلجرشي وبني كبير دون المرور على مدينة الباحة. طريق جديد يختصر المسافة، ويلتقي في بلجرشي بالطريق المؤدي إلى منطقة عسير. فرحت بهذا الإنجاز الذي أراه لأول وهلة، فحولت اتجاه السيارة نحوه. ومضيت عبر الطريق المزدوج الحديث، وقد لاحظت قلة حركة السيارات، حيث كان عددها لا يزيد على أصابع اليد.
n بعد مسيرة أكثر من عشرة كيلو مترات، وجدت حواجز تشير إلى نهاية الطريق، تعلن هذه الحواجز عن عدم اكتمال إنجازه. لوحة كأنها تقول بكل أدب، لكن بصمت وسكون يكتنف المكان: (الله لا يهينك، ارجع من حيث أتيت). فكانت صدمتي الأولى. وتساءلت: لماذا هذا التصرف من إدارة طرق منطقة الباحة؟
n استدرت بالسيارة، ورجعت من حيث أتيت، وسط ولادة الكثير من الأسئلة والتساؤلات، وغيض لم يكن له حدود. لماذا الكذب؟ هل هناك ضرورة لهذا الكذب على عابر الطريق؟ لماذا لم تتم تغطية اللوحة حتى اكتمال إنجاز الطريق؟ وجاءت الأسئلة بكل أصنافها الممزوجة بالمرارة.. عدم البوح بها فضيلة.
n ولأني شخصية حساسة كما يقول أهل الفن ومحترفوه، ازدادت حساسية انفعالي، حتى أصبحت طفرة سلبية المشاعر، لتعمق ردة الفعل وتساهم أيضا في توسع وتشعب الاستنتاجات. ويستمر الحديث بنفس العنوان.
@DrAlghamdiMH