أوضح الناقد السينمائي والمخرج فهد الأسطاء، أنه لا بدَّ أن ندرك أن الفيلم القصير فن سينمائي مستقل بذاته، وما زال بعض المخرجين الكبار يعودون إلى تقديمه كما هو الحال مع التايواني مينق تساي، لكن المعتاد غالبًا أن الفيلم القصير يشكل البدايات لكل مخرج، ويمثل تجاربه الأولى لتلمس خطواته وتكوين هويته الخاصة في الإخراج، كما هو الحال مع أغلب المخرجين الذين نعرفهم الآن بأفلامهم الطويلة، كما أن ميزانية الفيلم القصير لا تقارن مطلقًا بالميزانية العالية والجهد الكبير للفيلم الطويل، إضافةً إلى أن الفكرة أيضًا ربما لا تحتمل سوى هذا الوقت القصير في التقديم والتنفيذ.
بداية الطريق
وأشار إلى أننا ما زلنا في البدايات، وكثير من المخرجين السعوديين يحتاجون إلى هذه التجارب قبل خوض الغمار الأصعب مع الفيلم الطويل، كما أن الفيلم القصير يحظى بمتابعة كبيرة، يتجلى ذلك من خلال الاهتمام الواضح بمهرجانات الأفلام القصيرة، مثل مهرجان أفلام السعودية الذي نكتشف من خلاله العديد من المخرجين والكتاب والمصورين والممثلين وغيرهم، ونتطلع إلى تجاربهم الأولى في الفيلم الطويل.
وتابع: لكن لا يزال ينقصنا الكثير، بدايةً بالأفكار وكتابة النصوص والتمرس الاحترافي على التنفيذ، وطواقم العمل القادرة، وبالطبع المنتج الواعي.
نجم ساطع
أكد المخرج عبدالله أبو الجدايل، أن الأفلام القصيرة أدَّت منذ منتصف الألفية دورًا مهمًّا في تقديم المحتوى السينمائي السعودي للمجتمع وللعالمين العربي والدولي في ظل غياب دور السينما في المملكة حتى وقت قريب، وهذا أيضًا أسهم في جعل هذا المنتَج مثيرًا للاهتمام عند كثير من المهتمين بالأفلام على الساحة الفنية العالمية؛ للتعرف على ثقافتنا من خلال تلك المجهودات البسيطة التي خرجت من رحم صناعة سينمائية لم ترَ النور بعد، فالجميل أن الفيلم السعودي القصير يعكس شجاعة وتفاؤلًا وقوة وإصرارًا وعزيمة صانع الأفلام السعودي الذي استمر في سطوع نجمه رغم عتمة سماء مستقبل السينما في ذلك الوقت.
تكاليف معقولة
وعن لجوء المخرج إلى الفيلم القصير قال: بما أن فن صناعة الأفلام الطويلة عمومًا يُعدُّ من الفنون باهظة التكاليف لممارسيها، يلجأ معظم صناع الأفلام الروائية سواء المبتدئين أو المحترفين إلى إنتاج محتويات روائية قصيرة ذات تكاليف معقولة، فهي وسيلة يستخدمها صناع الأفلام الصاعدون في الغالب لإنتاج أعمالهم الفنية التي يستطيعون من خلالها تقديم أنفسهم بوصفهم فنانين في الساحات السينمائية والمهرجانات التي سوف تؤهلهم للصعود إلى مستوى أعلى ليكسبوا ثقة منتجي الأفلام الطويلة، التي تطلب شخصًا قادرًا على إدارة إنتاج أفلام ناجحة بميزانيات أعلى وجهد ووقت أطول، وقِس على ذلك كل معايير الجودة، كما أن بعض الأفلام القصيرة قد تستخدم بوصفها أداة لتسويق الفكرة المنبثقة من نص الفيلم الطويل الذي ينتظر تمويلًا لإنتاجه، ويستخدم أيضًا صناع الأفلام المبتدئون الأفلام القصيرة للتعلم عن طريق التطبيق والممارسة.
وأضاف: التحدي الأساسي للأفلام القصيرة من وجهة نظري، أنها في الغالب يتم إنتاجها وتمويلها بشكل فردي، طالما أنها ليست مطلوبة من قِبل الموزعين، وليس لها سوق تجارية تدر على صانعها ربحًا ماديًّا ليستمر في إنتاجها، ولا وسائل لتوزيع هذه الأعمال ليستطيع جميع المشاهدين الوصول إليها بوسائل مختلفة، وليست فقط للنخبة المهتمة بالمهرجانات السينمائية.
الأفكار التجريبية
ويرى المخرج خالد فهد، أن الأفلام القصيرة هي العتبة الأولى لأي مخرج، يستطيع من خلالها تجربة إمكانياته وقدراته الفنية، أيضًا تعدُّ مساحة جيدة لإبراز الأفكار التجريبية، وإظهار اسم الصانع محليًّا وخارجيًّا، وكان للأفلام القصيرة دورٌ كبير في إبراز مخرجين عالميين، على رأسهم كرستوفر نولان الذي بدأ مشواره الفني بفيلم قصير، واستطاع من خلاله الترويج لاسمه وفيلمه الطويل.
وعن ثقافة الفيلم القصير في المملكة، أضاف: الفيلم القصير يمتد إلى تاريخ بداية صناعة الأفلام السينمائية عام 1888، إذ كانت تجارب الأفلام القصيرة «حركة الحصان»، ومن بعدها «وصول القطار» التي لم تتجاوز الدقيقة، بوابة لصناعة هذا الكم الهائل من الأفلام السينمائية، ونحن في المملكة نحظى بدعم حكومي سخي لإنشاء وتطوير الصورة المتحركة السينمائية، فيجب علينا تقدير التجربة القصيرة، والإيمان بأنها سبب كبير في تطوير مستوى وجودة الأفلام السعودية.
أجندة سنوية
وعن عدم مشاركة الأفلام القصيرة في مسابقة مهرجان «كان» حتى الآن، ذكر المخرج خالد فهد، أن كثيرًا من صناع الأفلام يعلمون أن لكل مهرجان أجندة سنوية على إثرها يتم اختيار أفلامه، وهناك مواضيع اجتماعية حساسة لا يتطرق إليها الفيلم السعودي، لذلك قد يكون هذا أحد الأسباب، وتعدُّ مسابقة مهرجان «كان» من أهم المسابقات الدولية، ومع ذلك لا تنظر لجان المهرجانات إلى الأفلام السعودية على أنها ذات طابع وهوية سعودية بنسبة ١٠٠ ٪، بسبب احتوائها على سيارات وملابس وأدوات مستوردة طغت على ثقافتها، على الرغم من أن موضوع القصة والفكرة أمر أساسي لاختيار الأفلام في المهرجانات، فإن ثقافة الفيلم المحلية أحد الأسباب الرئيسة لمنافسته على الدخول في أي مهرجان.
بطاقة تعريف
وأوضحت المخرجة والكاتبة هناء العمير أهمية الأفلام القصيرة للمخرج والكاتب والمنتج وكل طاقم العمل، لأنها حقل تجارب بعيدة عن الحسابات التجارية، كما يمكن صناعتها بسهولة، وتخلق ثقة أكبر لدى العاملين فيها لإنجاز أعمال أهم، وإن كانت أيضًا فنًّا قائمًا بذاته، فهناك مخرجون كبار يخرجون أفلامًا قصيرة، حتى مع قدرتهم على صناعة الأفلام الطويلة، تمامًا كما يحدث مع كتابة القصة القصيرة والرواية، كما أن أسهل طريق للتعريف بالمخرج هو الفيلم القصير، وهو أشبه ببطاقة التعريف التي يستطيع من خلالها إثبات نفسه وقدراته داخليًّا وخارجيًّا على مستوى المهرجانات، وهي مرحلة مهمة جدًّا في حياة أي مخرج جاد.
ونفت انتهاء ثقافة الفيلم القصير في المملكة، وقالت: لم تنتهِ ثقافة الفيلم القصير، ولكن الاعتماد على إنتاج أفلام قصيرة فقط لا يمكن أن يؤسس للصناعة التي تحتاج إلى أفلام طويلة، ولكن القصيرة ستظل دائمًا المدخل الأهم لأي مبتدئ.
مقترحات مهمة
وقدمت «العمير» مقترحات لدور العرض، حيث يمكنها عرض فيلم قصير قبل الفيلم الطويل، ويمكنها أيضًا برمجة عدة أفلام قصيرة متشابهة من حيث الجو العام في برنامج واحد كوسيلة لعرض الأفلام القصيرة، ولكن، وكما هو معروف على مستوى العالم، فالأفلام القصيرة دائمًا ما تكون موجودة في المهرجانات، وفي دور العرض المستقلة، ودور السينما الفنية، ويمكن أن تُعرض في منصات خاصة أو منصات عامة، ولكنها عادة لا تُصنع لأهداف تجارية.
دافع فني
وذكر السيناريست والكاتب والمنتج السينمائي علي سعيد، أن الفيلم القصير تكمن أهميته في سببين، أولًا: أنه المدخل الأول للتمرس والتعرف على المهنة، ومعرفة مناطق القوة والضعف، بالإضافة إلى كونه أقل تكلفة ومخاطرة، كما أنه يثير العوامل الفنية في العمل بحيث يكون الدافع الفني هو الأساس، أما حين يدخل صانع الأفلام الفيلم الروائي الطويل فمن الممكن ألا يكون الدافع فنيًّا بنسبة 100 %، بل قد يكون تجاريًّا، منوهًا إلى أنه على صانع الأفلام إدراك أن الفيلم القصير منطقة فن، وأنه ليس فيلم شباك، ومن ثم هناك مساحة لأن يمارس الفنان فيه جنونه وإبداعه وتجاربه، واقتراح أفكار جديدة في العمل، بينما الفيلم الطويل محكوم بأن يكون فيلم شباك نظرًا إلى الميزانية المدفوعة فيه.
زمن التكثيف
وأكد أن الفيلم القصير مهم جدًّا في البداية، ومهم ألا يتم الاستعجال فيه، وقال: هناك الكثير من المخرجين الذين تمرسوا أكثر في الفيلم القصير حتى ذهبوا إلى الأفلام الطويلة، وذلك لتفادي الأخطاء التي قد تحصل، ولا تزال السينما بحاجة إلى الأفلام القصيرة، ونحن الآن في زمن التكثيف، والجمهور أصبح يحب كل ما هو سريع ومختصر.
وعن وضع الأفلام القصيرة في المملكة، قال: الفيلم القصير مرتبط ببوابة دخول السينما وصناعتها، وبالتأكيد ظهرت في الفترة الأخيرة أفلام قصيرة مميزة، ومن الجيد أن تُعرض كباقة مع بعضها، وأن يتم عرضها في دور السينما بتذكرة واحدة تجمعها.