يقول أحدهم: كنت في جلسة مع صحبة لي، تحدثنا وضحكنا وتسامرنا، ثم اعتراني صمت لا أعلم ما سببه! ابتعدت عن جماعتي ثم مشيت طويلا متأملا في نفسي وما حولي محاولا فهم ذاتي، أدركت أن ما أشعر به هو الوحدة، لا أجد ما يتسع لكلماتي ولا ما يلائم منطقي ولا ما يحفزني لأظهر ما لدي من طاقات، لا أجد التحدي الذي يجعلني متقد الفكر، كل شيء يسير على وتيرة واحدة، يتملكني الصمت كلما جالست أشخاصا لا يشبهونني وكأننا لا نتحدث اللغة نفسها! كم أنت غامض! قالها لي أحدهم يوما، استغربت قليلا ولكنني تجاوزته ولم أسأله لماذا؟ أعتقد أنني رغبت بأن أعرف الجواب من نفسي عن نفسي، كم أود شعورا يجعل قلبي ينبض بقوة من شدة الانبهار والرضا.
يقول الشاعر:
وما غربة الإنسان في غير داره
ولكنها في قرب من لا يشاكله
كلما زاد التطور في هذه الحياة زاد البعد والاكتفاء بما وراء الشاشات، حتى التحية تلقيها على عجل بصورة رمزية فقط! لم يعد هناك ألفة الحضور وحرص التواجد، يكفي أن تكون في قائمة الأسماء رقما، ورغم إيجابيات تقدم الحياة وتسارعها إلا أنه بقدر ما تتطور فهي تزيح أشياء إنسانية كثيرة ليحل محلها جمود مزخرف من آثاره تلك الوحدة.
في خضم ذلك كله، كن أنت، لا تعش حياة لا تجد نفسك فيها، لا تتشبه بقوم وأنت لست منهم ولا ترغم نفسك على مقاربة أشخاص يستنزفون مشاعرك وجهدك لتصبح نسخة عنهم، حتما سيكون مصيرك وحدة مظلمة لأنك تعلم في قرارة نفسك أنك لست هذا كله وتكون كمن يتنفس تحت الماء.
بالمقابل، أطلق لروحك العنان في أن تحيا ما تهوى وتذهب إلى حيث ترغب، ألق التحية بصدق وصافح بمحبة، كن جميلا ترى الوجود جميلا وتأكد أن صعوبات الأمس سوف تصبح حديثا يؤنس قلبك اليوم وغدا.
Nadia_Al_Otaibi@