وتطورت هذه النظريات لاحقًا في إطار ما يُعرف بنظرية الرأسمال البشري «human capital theory»، ومن ثمَّ طُرحت فكرة أن تعلُّم اللغة جزءٌ من الاستثمار في الرأسمال البشري.
وأضاف: يبقى أن تدرك المؤسسات هذه القيمة السوقية للغة العربية وتُفعِّلها وتستثمر فيها، ويمكن أن يكون ذلك على عدد من المستويات، منها: استثمار الحقول البينية كاللغة والحاسوب فيما يُعرف بحقل اللسانيات الحاسوبية، ويشمل ذلك الوسائط الإلكترونية والترجمة الآلية والذكاء الاصطناعي، ويَصدُق ذلك بنسب متفاوتة على اللسانيات الاجتماعية والنفسية والعيادية، والحقول اللسانية البينية كافة، فإذا يمَّمنا وجهنا شطر تعليم العربية للناطقين بغيرها، في ظل وجود ميلٍ ملحوظ لتعلمها من المسلمين ومن غيرهم، وجدنا مجالًا خصبًا آخر جديرًا بالنظر والاهتمام.
وأشار إلى أن عددًا كبيرًا من الباحثين يتلخص دور اللغة لديه في جانبها التواصلي، ويتجلى في الفَهم والإفهام، وهذا إسهام مهم وجوهري للغة، وسنجد أمثلة صالحة لقوميات وطَّنت العلوم على لغتها دون الرضوخ للغة وسيطة، ويمكن في هذا الصدد أن نستدعي التجربة اليابانية مجددًا، وأيضًا التجربتين الصينية والعبرية، والمتوقع أن أصحاب هذه اللغات لم يوطِّنوا الإنتاج العلمي والصناعي والتقني لمجرد التوطين أو الدافع القومي، ولكن لأن للغة الأولى قدرتها على الفَهم العميق والمباشر، وبالتالي الانتقال من مستوى التلقي إلى مستوى الإنتاج، وهذا ليس معناه التقليل من أهمية اللغة الوسيطة، فهي بطبيعة الحال حاضرة وستظل كذلك، ولكن للفت الانتباه إلى دور اللغة الأم في تعميق الفهم.
وحول الضعف في الفرص المتاحة في سوق العمل للمختصين في اللغة العربية، أوضح البارقي أن هذا الأمر يرتبط بجانبين؛ الأول: جانب المؤسسات الأكاديمية، وخاصة تلك التي لا تقدم للطالب إلا ما يعينه ليُعيد تدريس ما دَرسه، ولا تنفتح على مجالات الدرس اللساني الحديث، ولو تمت تهيئة الطالب علميًّا في مجالات اللسانيات بفروعها المختلفة، لوجد فرص عمل في منظومات الذكاء الاصطناعي والمستشفيات والدراسات الاستراتيجية والتخطيط، ويتعلق بذلك الجانب التوعوي والتسويقي لتلك المؤسسات الأكاديمية التي تقدم معارف لسانية، أما الجانب الثاني فيتعلق بأصحاب سوق العمل من ذوي التفكير التقليدي الذي لم يفطن لما وصلت إليه القفزات اللغوية على مستوى العالم، والقيمة السلعية للغات ومنها اللغة العربية.