يوجد في داخل كل منا طفل صغير يعاني، فقد مررنا جميعا بأوقات حرجة في طفولتنا، وتعرض البعض لتحديات نفسية، ونحن نحاول عادة أن نتناسى تلك الأوقات المؤلمة حماية لأنفسنا وصونا لها من المعاناة، فنلقي بمشاعرنا وذكرياتنا في دهاليز وممرات عقلنا الباطن ونتركها قابعة هناك، ولا نجرؤ على مواجهة هذا الطفل لسنوات طويلة، إلا أن تجاهلنا له لا يعني غيابه، فهو موجود في داخلنا على الدوام ويحاول أن يسترعي انتباهنا، فالهرب منه لا ينهي المعاناة، بل يطيلها فحسب، فنحاول تسلية أنفسنا باستمرار فنشاهد التلفاز والأفلام، ونطارد أخبار الآخرين، وندمن المسكنات، ونتناول الطعام بشراهة، في محاولات يائسة للهروب منه، لكن وجوده بداخلنا حقيقي، وعدم القدرة على رؤيته ضرب من ضروب الجهل، فقد جرح ذلك الطفل جرحا بالغا، ويحتاج منا العودة إليه والانتباه له، والإصغاء لاحتياجاته، ويعتبر عالم النفس الكبير كارل يونغ صاحب الفضل بوضع مفهوم الطفل الداخلي في علم النفس الحديث، وهو تعبير مجازي عن مخزون ذكريات وتجارب الطفولة التي تؤثر تأثيرا عميقا على سلوكنا ومشاعرنا كبالغين، وفكرة إصابة أو «جرح الطفل الداخلي» تتمثل في الصدمات أو التجارب السلبية التي نتعرض لها في الطفولة ونحملها معنا إلى البلوغ، حيث يميز علماء النفس بين البلوغ بمفهومه الجسدي المعروف وبين البلوغ النفسي أو النضج النفسي، ويعتقدون أن اكتشاف الطفل الداخلي وفهم مشاعره وهواجسه، والعمل على شفاء جروح الطفل الداخلي، والتعامل معه باحترام، والتواصل مع الطفل هو ما يقودنا فعليا للبلوغ الحقيقي والنضج النفسي والاتزان، وبالتالي يعزز معرفتنا بذواتنا وتحكمنا بمشاعرنا وسلوكنا، وعدم محاولة طمس معالم طفلنا الداخلي وطرده لدائرة اللاوعي، لأننا ندرك اليوم أن ما نقوم بدفعه إلى اللاوعي أكثر قدرة على التحكم بالمشاعر والسلوك والموقف مقارنة بما ندركه أو يقع في وعينا، بالتالي فإن محاولات كبت وإسكات صوت الطفل الداخلي ستقود إلى مشاكل واضطرابات نفسية وسلوكية، وتكمن الخطوة الأولى في شفاء الطفل الداخلي بالاعتراف بوجوده وتأثيره على سلوكنا ومشاعرنا، من خلال فهم أعمق لتفاعلنا كأشخاص بالغين مع طفولتنا وتجاربها، وأن نحاول تحليل وقراءة مشاعرنا بشكل مختلف، فالشعور العميق بالخوف من المواجهة ليس ضعفا بالشخصية، بل ربما من ندوب الطفولة التي يعاني منها طفلك الداخلي، وبعض ردود فعلك الغاضبة على أمور تافهة ولا تستحق قد يكون مرتبطا بطفلك الداخلي، لذلك يجب أن تتوقف مع مشاعرك وتحاول فهمها بهدوء لتصل إلى جذورها، والعودة بالذاكرة إلى الطفولة لإعادة استكشاف الأشياء التي كانت تمنحك السعادة والطمأنينة عندما كنت طفلا، وتلك التي كانت تجعلك حزينا، ومراجعة أمنيات الطفولة ومحاولة تذكر ما كنت تود الحصول عليه، أو حتى بما كنت تحصل عليه ولا تريده، وهذه المرحلة ستمهد لك الطريق لإعادة إشباع رغبات الطفل الداخلي بطرق أكثر حكمة وملاءمة، كما يقترح المعالجون أساليب عدة للتواصل مع الطفل الداخلي، منها كتابة حوار بينك وبينه، والسماح للطفل بداخلك أن يعبر عن نفسه من خلال هذا الحوار، وكلما كنت قادرا على تحويل الحوار إلى نقاش حقيقي بينك كشخص بالغ وبين طفلك الداخلي، كان ذلك أفضل وأكثر فاعلية، وفيما تقوم بهذه الممارسة من المجدي أن تسأله «ما الذي كنت تشعر به»، وما الذي تريده من البالغ الذي أمامك، فلتضع قلمك على الورق ولتكتب ما يخطر على بالك، لا تلق بالا للترتيب، فقط اكتب.
LamaAlghalayini @