وكما أسلفت بأن التوجه نحو هذا الاقتصاد الأخضر أصبح أكثر جدية في الأعوام الأخيرة بدافعٍ من الحالة الاقتصادية العالمية، فقد بدأت العديد من الدول طرح سندات خضراء أي سندات للاستثمار في مشروعات خضراء صديقة للبيئة وذات عوائد استثمارية مقنعة، ويقتضي طرح هذه الدول للسندات الخضراء أن تكون بيئة الاستثمار في الاقتصاد الأخضر مهيئة وعلى مستوى كافٍ من النضج لتكون جاذبة للمستثمرين. وبطبيعة الحال، فإن هذه الفرص الاستثمارية ستكون لها فوائد متعددة مأمولة، ومنها توفير فرص وظيفية لمواطني تلك الدول، وقد يجوز القول إنها ستخلق فرصاً وظيفية جديدة من حيث طبيعة هذه الوظائف، فالاقتصاد الأخضر محاط بالكثير من القوانين الرقابية الإضافية، التي تختص بطبيعته وأولياته مثل الحد من الأثر البيئي السلبي واستدامة الموارد وتقديم الإضافة للنظام البيئي، ومن هذا الجانب ستكون هذه الوظائف على قدر كبير من المراعاة لهذه الأوليات، وبالتالي ستتأثر طبيعة هذه الوظائف مما سينعكس بالأثر على إدارة الأعمال المرتبطة بالاقتصاد الأخضر.
الإدارة والاقتصاد صنوان ورفيقا درب لا يفترقان يؤثر أحدهما على الآخر باستمرار، فالاقتصاد بنتائجه ودراساته وأبحاثه يمد علم الإدارة بنبض الحياة ليتطور ويجاري بنظرياته ومناهجه احتياجات الحياة العصرية، في حين أن الإدارة بتجارب روادها ونتاج ممارسيها العملي والفكري توجِّهُ الاقتصادات المختلفة لتحقيق أهدافها عبر أفضل الطرق، إن هذا التكامل اللصيق بهذين المجالين يدعو المهتمين بعلم الإدارة إلى استشراف مستقبل العملية الإدارية في حقل الاقتصاد الأخضر. ودعوني أقرب الأمر بالقول إن شكل العمل الإداري سيتأثر من عدة جوانب عند الالتزام باشتراطات ومعايير المحافظة على البيئة، فبيئة العمل ستراعي بدرجة أكبر الحد من استهلاك الطاقة، وبالتالي الحد من المساحات للتقليل من استخدام مواد البناء وقطع الأثاث غير اللازمة، مع التركيز بدرجة عالية على الخامات القابلة للتدوير، وستتعزز بذلك ممارسات إدارة النفايات، وسيظهر ذلك في الحد من استخدام الورق بتبني مبدأ (صفر- ورق) مما سيعزز التوجه لأتمتة الإجراءات، وبالتالي ستتضاءل الحاجة إلى الوظائف الكتابية والسكرتارية وقد تتلاشى، وقد تشهد الأعمال توجهاً حقيقياً للعمل عن بُعد لتضاؤل الحاجة إلى تواجد الموظفين في المكاتب، وبذلك ستختلف قواعد إدارة الموارد البشرية بشكل كامل، بدءًا من هيكلة وتوصيف الوظائف مرورًا بمعايير وآليات التوظيف وصولًا إلى منهجيات وخطط التطوير والتدريب والتحفيز والمتابعة، فكل ذلك سيتأثر وسيختلف في حال تقلصت مساحات العمل الفعلية لحساب مساحات العمل الافتراضية وانتقلت بيئة العمل من المكتب إلى الكمبيوتر وتحولت علاقات الموظفين من التفاعل الحسي المباشر إلى التفاعل الافتراضي عن بُعد.
لا شك أن الاقتصاد الأخضر يخدم البشرية ولو من حيث مبادئه المعلنة، فهو يتبنى ثقافة محمودة، ويلبي حاجة تزداد إلحاحاً مع تزايد البشرية، ولكي يتحقق للمستثمرين في هذا الحقل عوائد الاستثمار المجدية، التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة للأعمال والبيئة، فلا بد أن تواكب الأعمال الإدارية هذا التوجه بأن تكون أكثر تأهيلاً وتخصصاً وتوجهاً نحو نوع حديث من الإدارة قد يطلق عليه مستقبلاً مصطلح الإدارة الخضراء.