يحدث أن تفكر في الأستاذ الذي لفظ بكلمات جارحة أمام أقرانك في القسم، بعد أن ضربك بعصاه بسبب خطأ لغوي بسيط ارتكبته على دفترك اليائس منك، والألم النفسي الذي أعقب تلك الضربات لسنوات عديدة. رغم مرور الوقت ورغم نضجك ما زلت تفكر في رد الاعتبار لنفسك ولبراءتك آنذاك.
يحدث أن تتذكر قهقهات زملائك في القسم الثاني واستخفافهم بك والتنمر الذي مارسوه عليك، لأنك كنت مختلفا عنهم في كل شيء، فقط لأن عقلك كان يتجاوز سنك ساعتها وعالمك لم يكن يشبه عالمهم في شيء، فكان أن رفضوك وأعلنوا عليك حربا شنعاء عنوانها الطفولة تساوي الجحيم.
يحدث أن تيأس وأن تتأثر بكلمات أحدهم، قد يكون من أقرب الناس إليك، لأنه لم يؤمن بموهبتك ولا بطموحك في زمن مضى، فمنعك من المثابرة والمحاولة واللحاق بحلمك... ورغم أنك ذهبت في طريق مغايرة غير أنك لم تتقبل بعد تلك القصة.
يحدث ويحدث، رغم مرور الوقت ما زالت بعض الأحداث التي مضت تلحق بك ضررا لم تستطع التخلص منه، ورغم نضجك ووصولك إلى مرحلة مختلفة، غير أن ألم الصبا وألم العلاقات التي خلت وألم الوعود التي انكبت في المحيط، ما زالت تؤثر فيك وأنت لم تصل بعد إلى مرحلة التسامح والنسيان.
في واقع الأمر، إن التسامح هو وقود الحياة وهو ما يجعلنا نتصالح مع الوقائع والأشخاص الذين مروا بحياتنا... صحيح أن لا أحد يحق له أن يلحق بك الضرر تحت كل المسميات، لكن ما مضى فات ولن تصححه مشاعر الحقد ولا حتى الانتقام... عليك أن تحاول دائما التخلص من الإيجو الذي أوهمك بأن التسامح عنوان للتنازل وانعدام الكرامة... وهو على العكس من ذلك، فالتسامح طريق لصفاء النفس وارتقائها، ويعبر عن نفس واعية بأن الخطأ وارد وأنها ربما هي الأخرى أخطأت يوما ما، لذا فالتسامح هو القانون الذي يمكنه أن يخلق نوعا من التوازن في هذا الكون.
alharby0111@