إن ارتباط اللوحة الحروفية بالفن كان في مطلع الأربعينات مع أول بوادر التأثر الغربي بمدى قدرة الحرف على خلق المساحات البصرية والانشغال بها جماليا مع مفاهيم الحجم واللون والفراغ وهو ما أثار التشكيلي «بول كلي» ليطرح اهتمامه بهذه الصياغة البصرية الجديدة وفق ما يقتضيه التصور الجمالي الغربي والتماثلات التعبيرية والتجريدية التي أحكمت التعامل الفكر الناضج للحرف.
ولعل الحديث هنا ليس بحثا كرونولوجيا في تاريخ تطويع الحرف واللوحة الغربية وإنما تدقيق إشارة لأهمية الحرف في صياغة الفكر الفني الحداثي بتياراته المختلفة وهو ما استوجب الاهتمام بهذا التوجه الفني والبحث عن تطويعه بصريا فكريا ومفهوميا من خلال التجارب التشكيلية السعودية بعيدا عن ثنائية الالتزام بالمعنى اللغوي والخط.
لأن التجارب البصرية السعودية تزخر بكبار الفنانين المهتمين بالخط والحرف كمنهج تصويري ورمز حضاري على عدّة مستويات وبعدة تشكيلات توظّف الخامة وتطوّع الفكرة من الخط بمرجعيات أدبية روحانية حسية تراثية إسلامية وعربية إلى الحروفيات التي تمازج حرية التشكيل وجدليات المعنى والرمز والدلالة.
لذلك فمن الضروري التنويه بأن الخط العربي هو مدرسة فنية لها خصوصياتها وأهميتها الراسخة والثابتة، أما اللوحة الحروفية فيجب أن تتكامل من حيث المعرفة والعمق من حيث استدراج المعنى من الدلالة والتحوّل من النص المكتوب إلى الحرف الرمز، لذلك خاضت العلامة والدلالة والرمز، التطويع الخيالي للحرف بحجمه واندماجه مع اللون والخطوط والمساحة حتى يتشكّل، وهنا ترتكز الحروفية على الفن وترتبط به ارتباطا كليا من حيث الابتكار والتقمّص كميزة تدل على الانتماء والابتكار والهوية وتفعيل المعرفة البصرية أبعد لتكوين لغة بصرية وتقديمها جماليا للعالم ولذلك كان تكثيف المعارض والأنشطة والتعاون بين الفنانين والخطاطين والنقاد في توضيح مدى ما يزخر به الخط من طاقات بصرية قادرة على فتح المنافذ العالمية على تصورات التجدّد البصري والجمالي بين فنون الشرق والفنون العالمية.
yousifalharbi@