طريق قوافل تجارة البخور القادمة من الهند
قال المرشد السياحي عبدالناصر الهتلان المهتم بالآثار، إنه يوجد كمّ هائل من المواقع الأثرية في المنطقة الشرقية عامة والجبيل بصفة خاصة في عصور ما قبل التاريخ إلى العصور التي ما قبل الإسلام، مؤكدًا أهمية الاهتمام بالآثار المطمورة بالجبيل والعمل على تطويرها وتحويلها إلى متاحف وفتحها أمام الجمهور حتى لو بمبالغ رمزية. وأضاف إن هناك مواقع أثرية في نطاق كلية الجبيل الصناعية وحي مردومة والدفي. داعيًا إلى إبراز تلك الكنوز والآثار وما تحمله من إرث تاريخي أمام الجمهور، خصوصًا أن الجبيل الصناعية يسكنها عدد كبير من العمالة من مختلف دول العالم، لذا علينا استغلالهم في تنشيط السياحة.
وأوضح الهتلان أن وجود الآثار يدل على أن أممًا وشعوبًا سابقة قد مرت أو استقرت هنا، ومن المدن التي تحتفظ بآثار تاريخية وفقًا لما دلّت عليه الدراسات مدينة الجبيل، لافتًا إلى أنها اشتهرت بهذا الاسم لوجود جبل بحري على الساحل في الجهة الشمالية الشرقية، وقد اختفت معظم معالمه، ويقع داخل حدود ميناء الجبيل التجاري ويمنع زيارته.
ولفت إلى أن برج وبئر الطوية يعد معلمًا من معالم الجبيل التاريخية ومن المواقع الأثرية في المدينة التي عُرفت قبل القرن الرابع عشر الهجري بسنوات، والطوية كان مصدر مياه الشرب لأهالي الجبيل وللقوافل التي تتوقف عندها، وموردًا للبادية التي تقطن بالقرب منها في الجهة الغربية، وبني في الموقع برج الطوية بعد موقعة «السبلة» عام1347هـ، وما زال قائما حتى اليوم.
وأشار إلى أن موقع الدفي الأثري، أطلق عليه هذا الاسم لقربه من خليج الدفي، وحمل الرقم 163/208 أبان المسح الشامل الذي قامت به وكالة الآثار والمتاحف عام 1976م للمنطقة الشرقية، وحافظت الهيئة الملكية بالجبيل عليه مع بقية المواقع داخل المنطقة الصناعية. وتقع تلال الدفي الأثرية داخل حرم الكلية الصناعية بالجبيل الصناعية بالقرب من مبنى الهيئة الملكية، ويبعد عن مدينة الجبيل البلد حوالي 14 كم، ويحيط سور الموقع بمساحة تبلغ 60 ألف متر مربع مقابل ساحل البحر، وترتفع التلال الأثرية من 5 إلى 6 أمتار عن سطح البحر.
وأضاف إن الموقع يمثل فترة مملكة الجرهاء التي سادت في شرق الجزيرة العربية قبل الإسلام، في القرن الثالث قبل الميلاد كتاريخ أولي وستتضح الصورة بشكل أفضل بعد استكمال نتائج دراسة الطبقات والمعثورات وظهور نتائج التحليل بالكربون 14. ويقع في منطقة الدفي على بُعد ستة عشر كيلو مترًا شمال الجبيل موقع أثري اكتشفت فيه آثار قبور قديمة وأساسات بناء.
وذكر أن موقع مردومة تعود تسميته نسبة لردم الساحل مقابل الموقع، حيث كانت التلال الأثرية تقع على سيف البحر مباشرة، وأعطي الموقع رقم 183/208 بحسب أعمال المسح التي أجرتها الوكالة العامة للآثار والمتاحف عام 1976م للمنطقة الشرقية، ثم جرت عليه أعمال التسوير. فيما يقع موقع ثاج بالقرب من مدينة الجبيل الذي يعود تاريخه إلى الفترة الهلينستية وتم العثور على العديد من المدافن، وتعد مستوطنة ثاج من أبرز المستوطنات المكتشفة في المنطقة الشرقية وتقع بالقرب من درب الكنهري وهو طريق قوافل التجارة القديمة الخاص بتجارة البخور القادم من الهند.
ثروة وطنية للأجيال الحالية والقادمة
أشار الأكاديمي بجامعة الملك سعود والمتخصص في إدارة التراث، د. فهد الحسين، إلى أنه قبل فترة تاريخية طويلة احتضنت محافظة الجبيل مجموعات سكانية تجمعوا في سواحلها، وتركوا منذ الألف السادس قبل الميلاد مجموعة من الآثار الحضارية المميزة، فزخرت الجبيل المعروفة بعينين بتراث ثقافي غني ومتنوع يعكس التاريخ العميق لها، وشكل موقع عين الدوسرية، وجزيرة جنة أهم مراكز الاستيطان لجماعات تنتمي لثقافة العبيد العربية. وظلت أطلال الجبيل القديمة خفية حتى كشف عن جزء يسير من آثارها. ومن المؤسف أن نعترف بأن معلوماتنا عن تلك الآثار شحيحة؛ لذا أصبح من الضروري التوجه إلى التخطيط المستدام الذي يستهدف الحفاظ على تلك الآثار، بالشكل الأنسب والتفكير في حق الأجيال القادمة في استغلال مواقع تلك الآثار التي تدهورت، والآخذة في النفاد إذا لم يحسن استخدامها.
وأكد أنه لم تعُد حماية تلك المواقع والحفاظ على الموارد الحضارية والثقافية أمرًا كافيًا، بل يجب أن يتجه التفكير إلى تحقيق استدامة تلك الآثار على المدى البعيد والاستفادة منها اقتصاديًا؛ لأنها تشكل ثروة وطنية للأجيال الحالية واللاحقة. مضيفًا إنه بما أن التراث الثقافي أصبح جزءًا من نمط سياحي عالمي، فالدعوة للاستفادة من إدراج تلك الآثار ضمن آفاق سياحية تجذب مجاميع الموظفين العاملين في مصانع البتروكيميائيات، والعمل على دعم المؤسسات المختصة لترميم وتأهيل بنياتها الثقافية، وتوظيفها بشكل إيجابي في إطار مشروع ثقافي سياحي متكامل ومندمج يهدف إلى حماية هذا التراث واستغلال الجوانب الإيجابية فيه وخلق منافع وقيم ثقافية إضافية تفيد المدينة الصناعية المنهكة بساعات العمل المملة.
استغلال الزوار والمستثمرين سياحيا
ذكر المواطن عبدالله الشهراني، أن الجبيل الصناعية تختلف عن أي مدينة في المملكة بسبب تواجد العمالة من مختلف دول العالم، إضافة إلى الزوار وكثرة المستثمرين، ونشاهد كل يوم وفدًا كبيرًا يزور الجبيل الصناعية ويطلع على المصانع العملاقة، لذا نتمنى فتح المواقع الأثرية أمام الزوار، خصوصًا الموجودة بداخل كلية الجبيل الصناعية وممنوع زيارتها، وآثار الجبل البحري الذي سمي الجبيل باسمة داخل ميناء الجبيل التجاري وغير مسموح بزيارته، إضافة إلى برج الطوية الذي يتوسط المحافظة في حالة يرثى لها.
تعاون وثيق لدعم عمليات المسح والتنقيب
أوضحت الهيئة الملكية بالجبيل أن المواقع الأثرية المكتشفة في الجبيل الصناعية تحت إشراف وزارة السياحة، مؤكدة تقديمها الدعم والتسهيلات لجميع الجهات، وهو ما تم بالفعل مع «الهيئة العامة للسياحة والآثار» وزارة السياحة حاليًا، لافتة إلى إجراء أعمال المسح والتنقيبات الأثرية وتوثيق كل من موقعي «الدفي» و«مردومة»، ويأتي المشروعان في إطار برنامج للشراكة والتعاون بين الهيئة الملكية للجبيل وينبع و«هيئة السياحة» سابقا.
وبينت أن تلك المواقع تقع داخل النطاق الجغرافي لأراضي الهيئة الملكية، ورغب الطرفان في الكشف عن آثارها ومعرفة حدودها الفعلية، وإدخال ما يتم الكشف عنه في مشاريع الهيئة الملكية لتعمير الأراضي المحيطة بهذه المواقع وتأهيل المواقع الأثرية كمتاحف مفتوحة تحافظ على الآثار المكتشفة، وتجعلها تتكامل مع ما حولها، وتعاون مع الهيئتين في المشروع مؤسسة التراث الخيرية.
ولفتت الهيئة إلى ترميمها 5 مساجد ضمن البرنامج الوطني بالمساجد العتيقة وهي مسجد جواثا والجعلانية والتهيمية الجنوبي ومسجد التهيمية الشرقي بمحافظة الأحساء ومسجد العقير بميناء العقير ومسجد المجدل بجزيرة جنة. وكان فريق كبير من هيئة السياحة سابقا مكون من 40 مختصا وخبيرا، بالإضافة إلى ما يقارب 120 عاملا، أجرى في مايو عام 2011م، أعمال مسح وتنقيب أثري بالجبيل، وتوثيق موقعي «الدفي» و«مردومة». وكانت بداية العمل بشهر ديسمبر من عام 2010م، بإجراء المسوحات، مع وجود فريق للترميم يعمل بشكل متواز مع أعمال التنقيبات الأثرية، وذلك للحفاظ على المباني المكتشفة حال ظهورها حسب احتياجها لذلك، إضافة إلى فرق مساندة لتسجيل القطع الأثرية والعينات وتغليفها، وتنظيف الكسر الفخارية وحفظها في صناديق خاصة تمهيدا لدراستها وترميمها، وفريق آخر للرفع المعماري.