فالمعروف أن لكل لغة نظامها وقواعدها الخاصة بها، فإذا تعلم الطفل لغتين ستختلط عليه القواعد ويفقد حلاوة التذوق بالكلمات والعبارات، وإذا لم يكن لديه ذكاء لغوي فإنه من الصعب عليه أن يجمع بين لغتين بمهارة، وفي الغالب يميل للغة الأسهل، فاستخدام (هاي) أسهل وأسرع من (السلام عليكم)، فيحدث عند الطفل ما نسميه (بالتآكل اللغوي) مع الوقت وتموت لغته العربية وتحيا اللغة الأجنبية، وإذا كان الوالدان كلامهما أجنبيا مع الطفل في البيت فإنهما يساهمان في إماتة اللغة العربية عنده، فإذا أراد الطفل أن يرتاح بمشاهدة كارتون أو يلعب ألعابا إلكترونية وهي باللغة الأجنبية فهذه كذلك تساهم في إماتة اللغة العربية عنده، ثم يجد نفسه مستغنيا عن اللغة العربية شيئا فشيئا حتى يصل لمرحلة يصعب عليه قراءة القرآن وتفسيره أو قراءة الأحاديث النبوية وفهمها فينسلخ عن دينه وهويته وثقافته حتى يصبح أجنبيا في تفكيره وكلامه وعربيا في شكله أو مكان إقامته، وإذا كبر وتزوج لا يستطيع أن يربط أبناءه بالقرآن بسبب ضعفه باللغة العربية، وأبناؤه عندما يكبرون ويتزوجون سيكونون أضعف منه وهكذا يحدث الإنسلاخ عن الدين والهوية والثقافة شيئا وشيئا بتخطيط الوالدين سواء علما أو لم يعلما بالنتائج.
وأذكر شابا تحدث معي بحسرة بأنه لا يستطيع قراءة القرآن بسبب تعلمه بمدرسة أجنبية وأن والديه كانا يتحدثان معه باللغة الأجنبية، فوجد صعوبة كبيرة عندما كبر في قراءة القرآن وفهمه وقراءة السيرة النبوية وفهمها، وقد سمعت هذه المعاناة من أكثر من شخص، ولهذا الحل يكون في توعية الوالدين بأهمية اللغة العربية وتعليمها أبناءهما مع حرصهما على قراءة القرآن وحفظه، ويلزمان أبناءهما بأن يتكلموا العربية مع أصدقائهم أو إخوانهم حتى نحافظ على سلامة لسانهم العربي، ويتبادر في ذهني سؤال أترك القارئ يجيب عليه وهو: هل تعليم اللغة الأجنبية في مدارس ثنائية اللغة ببلادنا بهدف إماتة اللغة الأم عند الطفل، أم إتقان اللغتين مع الحرص على إحياء اللغة الأم؟
@drjasem