الأمر الغريب الذي جعلني أعلق على هذا الخبر رغم عاديته، أن كل من يعرف أو أغلب من يعرف لكي لا أبالغ أني أحد منسوبي هذه الوزارة الموقرة، بادر بإرسال الخبر إليّ. حتى أنني أحصيت أنه وصلني أكثر من خمسة وثلاثين مرة، عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي لم يبق لي وقت طويل للعمل في وزارة الخارجية لاقتراب وقت راحتي أي تقاعدي النظامي. وهذا ما أود التركيز عليه في الجزء المتبقي من هذا المقال الذي يتمثل في النقاط التالية.
النقطة الأولى، استشعرت في تعليقات البعض على الخبر أنهم يعيشون حالة من الاستغراب، وربما الصدمة، كون فعل مثل هذا يصدر من منسوبي هذه الوزارة التي تتمتع في كل دول العالم بخصوصية المنتج الذي تساهم به في بناء الدولة، وخدمة المجتمع. وهو مساهمتها الفاعلة بحسب المساحة المتاحة لها، ولكوادرها في صناعة السياسة الخارجية للدولة، وكذا مباشرة تنفيذ تلك السياسات في مواجهة دول العالم المختلفة. فكأني بالناس ينظرون لهذه الوزارة بشيء من الوقار والتبجيل الذي تستحقه بلا شك. ويستحقه كل من قام على إدارة دفة عملها من أصحاب سمو ومعالي وسعادة وزراء وموظفين رفيعين.
النقطة الثانية وكأنني تلمست في تعليقات البعض خيبة أملهم من الخبر، وكأنهم كانوا ينظرون إلى موظفي وزارة الخارجية بأنهم جنود مخلصون كل الإخلاص للوطن، وأنهم في الغالب ممن يتمتعون بكفاءة نوعية وطبيعة عمل لا تعرف إلا البذل للوطن، وهذا في تقديري صحيح إلى حد كبير، وخيبة أمل الناس وإن كانت في محلها جزئياً فهي تحاكي الشاذ، والنادر الذي لا يقاس عليه، ولعلي أرسل لكل من خالجه هذا الشعور أن كوادر هذه الوزارة الموقرة مؤتمنون من قيادة هذه البلاد على تفاعلنا في الدوائر الإقليمية والدولية، وهم كفاءات من الرجال والنساء الذين يحملون الوطن ومجده ورفعته في قلوبهم وفِي مقدمة أولوياتهم.
النقطة الثالثة، مهم أن نتذكر جميعا أن الفساد عندما يصبح لغة تعامل وتعاطٍ في أي مجتمع، فإنه يحاول الوصول إلى كل النقاط المهمة والحساسة في البناء التنظيمي والاجتماعي، ووزارة الخارجية برغم مالها ولمنسوبيها من مسارات متميزة، وربما مغايرة لما عليه آليات وأساليب العمل الحكومي في بعض المصالح الأخرى تظل دائرة مستهدفة، ويظل عبء تنظيفها من الفساد ومظاهره وأذرعه هدفا نسعى جميعا لمعالجته، ولا نخجل، أو نتردد في مداراته.
الفساد في ضمائر البشر إلا من رحم ربي، الفساد ظاهرة كونية عالم ثالثية له أذرع ومخالب وأطناب ينشرها هنا وهناك، ومن يريد الإصلاح، والتطوير وترشيد العمل العام، وحراسة المال العالم عليه محاربة كل أشكال الفساد، وأذرعه، وأطنابه، يُقال في الكلام الشعبي كل شيء له ريشة، وإزالة ذاك الشيء تتم بنتف ريشته بشكل علني، وما تسير إليه أجهزة الدولة المختصة أحسبه بكل وضوح نتف ريشة الفساد من وزارة الخارجية ومن غيرها من دوائر الدولة، والله المستعان.
@salemalyami