مع ذهاب عام، وحلول عام جديد اعتاد كثير من الناس أن يستذكروا أحداث العام الماضي ويرسموا آمال العام التالي؛ لأن استرجاع ما مضى تُستلهم منه العبر والعظات وسبر أغوار العام التالي فيه التعبير عن الآمال والتطلعات، وإذا كان هذا ما اعتاد عليه الناس في كل عام، فهو في مثل أيامنا هذه أكثر أهمية وأدعى للفعل. فالعام الماضي باعتراف العالم كله لم يكن عامًا عاديًا ليس على الأفراد فقط، بل على الأوطان والشعوب والأمم والعالم كله حتى يمكن القول إن أيًا من الأحياء اليوم لم يشهد طوال عمره عامًا مثل هذا العام، خاصةً مثل ظروف وباء (كوفيد -19)، الذي لم تكن آثاره صحية أو بيئية فقط، بل تعدت ذلك كله لتشمل حياة الناس بكل جوانبها، خاصةً في المجال الاقتصادي، الذي امتدت ظلاله لتؤثر في كل المجالات حتى أضحت مواجهة هذه الآثار أكثر أهمية وصعوبة من مواجهة الوباء نفسه، ومما ضاعف من أثر هذه الوقائع والأحداث أنها أطلت برأسها في نهاية الربع الأول من العام فجأة وبدون مقدمات، حيث كان العالم تدور عجلة الحياة فيه كالمعتاد ليحل الوباء ويعم العالم في أيام معدودات أو حتى ساعات مما اضطر الدول إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، التي شملت إغلاق الحدود والأجواء بين الدول وحتى الطرق بين المدن والأحياء في المدينة الواحدة ومنع التجول وغير ذلك من التحولات، التي شهدها العالم كله. ولو أردنا أن نفصل الحديث في أحداث هذا العام وآثاره وتبعاته لاحتجنا إلى مجلدات كاملة من المؤلفات وهو ما أظن أن سيفعله كثير من الكتَّاب سواءً مؤرخين يسطرون الأحداث ويقرأونها أو مبدعين يضيفون عليها من خيالهم ما يجعلها أكثر تأثيراً ووقعًا في نفوس مَنْ سيقرأ أعمالهم هذه من الأجيال التالية تمامًا مثلما نقرأ نحن صفحات التاريخ لما شهده العالم من أحداث في فترات سابقة، وما ينبغي قوله في مثل هذا الموقف أن أحداث هذا العام على صعوبتها وقساوتها، فإنها لم تخل من الإيجابيات، التي ينبغي الإشارة إليها سواء على الصعيد الوطني المحلي أو على الصعيد العالمي، وفي مقدمة ذلك الإجماع الأممي على مواجهة هذا البلاء سواءً بما تم من بحوث علمية في أكثر من دولة بحثًا عن اللقاحات الواقية من انتشار هذه الآفة، التي توجت نتائجها باختراع أكثر من لقاح في أكثر من دولة وفي فترة قياسية استجابت لتحديات هذا البلاء في زمن قياسي، وهو لا شك إنجاز إنساني رفيع يبشر بأن تتبعه -بإذن الله- إنجازات عديدة أخرى، علاوةً على الجهود الدولية، التي انصبت على مساعدة المجتمعات الأكثر حاجة اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا، وهو الجانب الذي كان فيه لبلادنا والحمد لله دور يذكر فيشكر، حيث امتدت يد المملكة بالمساعدات كعادتها لعون وغوث كثير من المجتمعات العربية والإسلامية والصديقة في كل أنحاء العالم، ومن الإنجازات التي يمكن الحديث عنها أيضًا الحلول الإبداعية، التي واجه فيها العالم هذه الكارثة في مجال التعليم، والتي تمثلت في التحول السريع إلى التعلم عن بُعد، وتوظيف تقنيات الاتصال الحديثة للمحافظة على سير العملية التعليمية وتلافي ضياع فرص التعليم على ملايين الطلبة في التعليم العام والتعليم العالي، وفي هذا الجانب أيضًا، كانت بلادنا من أكثر الدول إنجازاً، حيث واصلت بلادنا والحمد لله دفع عجلة التعليم للسير في كل مراحله، وأثبتت الإدارة التعليمية بكل مستوياتها والمعلمون والمعلمات القدرة على التكيف مع المستجدات كما كانت استجابة الطلبة والطالبات وأولياء الأمور على قدر المسؤولية أيضًا. وفي المجالات الاقتصادية، فقد اتخذت الكثير من التدابير العالمية لحماية المجتمعات من آثار هذا الوباء سواء من قبل الدول أو المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة بما في ذلك المحافظة على المؤسسات الاقتصادية والصناعية والتجارية قدر الإمكان، وكانت المملكة والحمد لله وكما أكدت ذلك تقارير دولية من أقل الدول تأثراً سلبيًا في تبعات الجائحة، كما أنها في مقدمة الدول، التي اتخذت إجراءات فورية ناجعة لمساعدة العاملين في القطاع الخاص بالذات على توفير سبل معيشتهم من خلال مساهمة الدولة في الأجور والإعفاءات من بعض الرسوم على الخدمات، التي شملت المواطن والمقيم وخفف عنهم آثار الإغلاقات والتوقفات، التي صاحبت الإجراءات الاحترازية لوقف انتشار هذه الجائحة.. هذا غيض من فيض من الحديث عن الجائحة باعتبارها الحدث الرئيس خلال العام الماضي، الذي لم تقتصر أحداثه عليها فقط، بل هناك أيضًا الكثير من الأحداث الدولية الفريدة، التي ألقت ظلالها على العالم علاوةً على الحروب والصراعات الظاهرة والخفية، التي امتدت خلال العام نفسه من الأعوام التي سبقته، ومع ذلك يظل السؤال الكبير: هل نحن أمام عام جديد بأحداثه وآثاره، عام جديد يحل على عالم جديد أيضًا؟، وهل يكون عالم ما بعد كورونا غير عالم ما قبلها فعلاً؟.. سؤال يحتاج إلى إجابة سأبحث عنها في المقال القادم -بإذن الله-.
Fahad_otaish@