الرجال والنساء في كل زمان ومكان هم الأركان الأساسية لبناء الأسرة، وتمظهرات التجمعات السكانية، البشرية، وهم العمود الفقري للمجتمعات الإنسانية. تطورات العصور المتأخرة أفرزت أفكارا، وحركات، وتنظيمات في غالبها ذو طابع نسوي، وتحاول التخفي وراء الجوانب القانونية، وأحياناً تسير فيما يسمى بركب التحرر، والتطور، ودعاوى التقدم، هذا المناخ العام عرفته الدول الأوروبية، وتطور هناك ونما بصورة ملحوظة حتى اقترن في بعض الحالات بالتطور الاجتماعي والسياسي، حيث برزت أحزاب، وقوى سياسية في عدد من المجتمعات الغربية ذات توجهات يمكن وصفها عموما بالنسوية أي أنها ترفع شعارات تطالب بحقوق النساء، خاصة في موضوع العمل، والتوظيف، ثم برزت تبعاً لهذه التطورات مفاهيم ومصطلحات اجتماعية وثقافية مثل المساواة بين النساء والرجال، وتطورت هذه المفاهيم إلى أن أصبحت ذَا بنية سياسية، وحقوقية مؤثرة في كثير من المجتمعات. حتى إن مفاهيم التطور، والتأخر أصبحت تقاس ولو بشكل ضمني بمدى نضال المجتمع، أي مجتمع في هذا الميدان. هذه الصورة العامة في الغرب عموماً، التي لم تسلم منها بعض دول الشرق، حيث يمكن للراصد أن يتلمس بروز كثير من تلك المعاني ولو من باب التقليد في أكثر من مجتمع شرقي إسلامي وعربي. المفارقة المحزنة في الدول الإسلامية أن الأمر لا يحتاج لاستيراد موضة، أو تقليعة، لأن أسس الدين الإسلامي حددت الأدوار لكل من الجنسين، وحفظت حقوق الطرفين، وبيَّنت أهميتهما في بناء المجتمعات، واستقرارها. وإن بقي هناك بعض الإشكالات، فتنحصر في بعض الآراء الفقهية لا أكثر. هذا الشرح التفصيلي يقودنا اليوم لتلمس المشكلة الثقافية ذات الأبعاد السياسية، التي تواجه المجتمعات ذات التأصيل التقليدي في هذا الموضوع، وأزعم بأن المجتمعات المغايرة للنسق الثقافي والأخلاقي الغربي يمكن أن تواجه هذه المعضلة كمعطى سياسي، يتم من خلاله المهاجمة، والابتزاز. وتوضيحاً لما سبق أعرض بين يدي القارئ الكريم معطى ذَا تأثير دولي، وإقليمي، يتمثل في شعار القيم الغربية، أو الأمريكية تحديداً، خاصة مع عودة الديمقراطيين إلى الحكم بعد أن استقر الأمر للسيد جو بايدن، ونائبته السيدة كاميلا هارس، حيث دأب الحزب الديمقراطي على استخدام هذا البعد في سياسته الخارجية، ووجود السيدة هارس نائبة للرئيس بهذا التكوين الثقافي والعرقي، يجعل من هذا المعطى محركا ذَا تأثير في السياسة الدولية، وأداة ضغط على كل المخالفين من أتباع الثقافات الأخرى. المعطى الآخر، الذي يمكن تلمسه في هذا السياق هو كثرة وتنوع تسميات مظاهر العلاقة بين النساء والرجال في المجتمعات الشرقية الإسلامية المستقرة، والمحسومة فيها تسمية العلاقة منذ قرون، فالناس لم تك تعرف غير رابطة الزواج بين أي امرأة ورجل في العلاقات الرسمية الشرعية المعلنة. واليوم ولأسباب كثيرة منها داخلي ومنها خارجي، بدأنا نسمع عن أشكال جديدة آخرها ما أفتت ببطلانه في جمهورية مصر العربية الجهات المختصة المعروف إعلاميا بالزواج المؤقت. المعطى أو البعد الثالث في هذا السياق، خاصة في البلدان العربية، والإسلامية، انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في وقت أصبحت القوى المؤثرة في آراء الناس والتحاور حولها آراء طبقات جديدة خارج سياق المنظومات الفكرية والثقافية التقليدية. ومن ذلك تغريدة قبل أيام قليلة لمطرب عربي قال في التغريدة: «المرأة الشجاعة هي (امرأة) وليست ألف رجل... فالرجل ليس معيارا للشجاعة»، وعلى الرغم من خلو التغريدة من بعد ضمني قوي، وربما تبدو للبعض أنها غامضة أو مبهمة، إلا أنها أحدثت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أن بعض الوكالات الدولية للأنباء تطرقت للتغريدة، ربما لمحتواها الضمني الذي جمع النساء والرجال، ولأنها تأتي في سياق عالمي ثقافي، سياسي، ربما تترتب عليه أحداث وصراعات بين الثقافات المعاصرة. ما يمكن أن نخلص له اليوم أن هناك سياقا عالميا عاما يدعم أن تتقبل البشرية المعاصرة تغييرات جذرية في مفاهيم مستقرة بين الأمم، والحضارات، والشعوب، والله المستعان.
@salemalyami