ليس هناك سوى مرض واحد يمكنه أن يدمر الحياة، ويدمر الحضارة، ويدمر النوع البشري، أنه مرض العجز عن الحياة، لا سيما حين يتخذ المرض طابعا وراثيا واجتماعيا فينتقل عبر التنشئة، والتربية، والثقافة والقيم. غير أن تحسين القدرة على الحياة يستدعي تحسين القدرة على التفكير أولا، طالما أن أصل اضطراب الشخصية هو اضطراب الفكر، ولذلك يجب ألا يأتي الرهان على تغيير الأشياء على حساب الرهان على تغيير آرائنا حول الأشياء، لا سيما حين يتعلق الأمر بالأشياء، التي لا تتوقف علينا، والتي يجب التركيز على تغيير آرائنا حولها، حفاظا على صحة الجسد والنفس والروح، بمعنى صحة الكينونة، وفي واقع الحال لا تسوء الأحوال، وإنما تسوء نظرتنا وتفسيراتنا إلى الأحوال، فلا يوجد في الحياة ما هو سيئ عدا أفكارنا حول الحياة، لأنها أشد تأثيرا على سعادتنا من الأشياء نفسها، بل هي أشد تأثيرا على نوع الحياة، التي نحياها، ذلك أن الأفكار سرعان ما تصبح مشاعر، قبل أن تصبح المشاعر تصرفات في آخر المطاف، وبكل بساطة نقول، إننا لا نستطيع تغيير العالم كما ينبغي، لكننا نستطيع تغيير نظرتنا إلى العالم كما ينبغي، وبالنحو الذي يمنحنا قدرة أفضل على الحياة، وهذا ما يتسنى لكل واحد منا أن يفعله بكل سلاسة واستقلالية، بالبحث الدائم عن ممكنات الأمل، ليس في العالم الخارجي، الذي يظل خارج نطاق سيطرتنا ولا تتوقف أشياؤه علينا إلا في حدود ضئيلة، وإنما داخل ذواتنا بالذات، بالتمرن على تطوير مهارة التفكير النقدي الهادئ والمتحرر من سطوة الانفعالات السلبية، وإجادة الرقص فوق تقلبات الحياة، فالتفكير الجيد والحياة الجيدة متلازمان، غير أن توافر الظروف الخارجية قد لا يكون متاحا للجميع إلا في حدود ضئيلة، وإن البحث عن الجنة الأرضية هو سراب طويل المدى، والخيار المتاح هو في تغيير أسلوب تفكيرنا؛ لأنه العامل الأساسي في شقائنا، ولا مشكلة في أي موقف إلا ما نعتبره مشكلة، ومعناه أن بداية الحل دوما هي أن نعيد التفكير في طريقة تفكيرنا بالمشكلة، وأن نفكر في صيغتها وصياغتها، وفي فهمنا وتصورنا لها، وأن نجدد في بناء تأويلنا لها، فبداية الحل داخل مفاهيمنا وآرائنا وتصوراتنا للمشكلة، أي داخل ذواتنا بالذات، ولذلك فإن الظن بأنه يمكننا الاهتمام بتحسين الحياة عبر تحسين الأشياء على حساب نظرتنا للحياة، لهو خطأ قاتل في جدول الأولويات، وهو أحد مصادر الاضطراب الروحي، الذي يهدد السلام الداخلي للشخص، ومن ثم يهدد السلم الاجتماعي، لأن هناك وبكل تأكيد علاقة وطيدة بين السلام الذاتي والمجتمعي، فالإنسان الذي يمتلك طمأنينته لا يزعج نفسه ولا غيره، وتغيير الحياة قد لا يندرج ضمن الأمور، التي تتوقف علينا بالضرورة، فمن الأشياء ما هو في قدرتنا، ومنها ما ليس في قدرتنا، فما يتعلق بقدرتنا هو أفكارنا ونوازعنا ورغباتنا ونفورنا، ومما لا يتعلق بقدرتنا هي الأمور التي تحدث حولنا، فعندما لا نضع كل آمالنا على الأمور، التي لا تتوقف علينا، فإننا نقع مباشرة في العبودية والإحباط، ومن ثم الشقاء، فنغدو فاقدين للحياة، وبلا شك يبقى تحسين الحياةً مطلبا مشروعا أو حلما جميلا على أقل تقدير، لكن الأكثر أهمية هو القدرة على الحياة، وهي القدرة التي يجب ألا يفقدها المرء بصرف النظر عن ظروفه المعيشية ومعاركه اليومية.
LamaAlghalayini@