على الرغم من اكتظاظ السوق بالمشترين في ذلك اليوم إلا أنه لم يكلف أحدهم نفسه عناء الاقتراب من ذلك البائع لأن بضاعته لم تكن جاذبة أبداً. ما أن وصلت للبائع وأصبحت قريبة منه حتى قفز على ملابسي وتسلقني بسرعة ساحباً جناحه المكسور معه حتى وصل لرقبتي وكأنه يحاول الاختباء من قسوة الحياة. لم نكن نعرف بعضنا، وتفاجأت كثيراً من لجوئه لي بهذه السرعة واحتمائه بي وكأنني القشة، التي كان ينتظرها ليتعلق بها قبل الغرق في محاولة أخيرة منه للتشبث بالحياة أو كبصيص النور، الذي بزغ في نهاية نفق الصبر المظلم. ربما رآني الفرصة، التي لم يتوقع حتى أن تقترب منه. ما زلت أتذكر تفاصيل ذلك اليوم، الذي لم تكن ظروفه تطابق أياً من تفضيلاتي للخروج في نزهة جميلة. فالجو كان شديد الحرارة، والسوق في أوج ازدحامها، وأنا وأمي نتجول بحثاً عن لا شيء. مرت ثوانٍ فقط، وإذا به مختبئا بين ثنايا حجابي قريباً من وجهي رافضاً الابتعاد. سكر، طائر الكوكتيل الأصفر اللون وردي الخدين، الذي تعلو رأسه ريشات كأنها تاج ترتفع وتهبط بحسب حالته المزاجية وبحسب مشاعره وانفعالاته.
كيف ستشترين طائرا جناحه مكسور؟ قالت لي أمي محاولة نصحي بعدم شرائه، لكنني فقط، لم أستطع تركه هناك! دفعت ثمنه، الذي لم يتنازل البائع عن ريال واحد منه على الرغم من جناحه المكسور وأخذته للمنزل. لم يأكل شيئاً في أول يومين، وقد بدا عليه الخوف لكن مع القليل من الاهتمام والتربيت ارتاح وبدأ الأكل. في الأيام التالية بدأ يتجول في المنزل ليستكشف المكان. ثم راح يتعرف على أفراد المنزل واحدا تلو الآخر. بدأت شخصية سكر بالظهور بوضوح، فقد كان ذا كاريزما طاغية. كان يحب الغناء بالتصفير كثيراً، وقد اتخذ لنفسه مكانا على قمة قفصه ليستطيع الوصول لنا إذا ما مررنا بقربه والتصفير لأي فرد منا يمر به دون أن يُقبله قبل الخروج وبعد العودة، وكأنه قائد عساكر. مع الأيام أصبح سكر فرداً من العائلة.
أما هي، فكانت سمراء اللون، متوردة الخدين، جميلة ولطيفة، لذلك قررت أن أسميها سمر. تلك هي عصفورة الكوكتيل، التي أحضرتها للمنزل لتكون زوجة لسكر، التي وقع في غرامها من الوهلة الأولى وأصبح لها العاشق الهيمان والغيور الولهان، الذي لا يسمح لأحد بالاقتراب منها، خصوصاً الرجال بينما كانت هي تستفزه وتثير حنقه بعفوية بالقفز والطيران على أكتافنا ورؤوسنا.
في يوم من الأيام سمعنا صراخ سكر محاولاً تنبيهنا لسقوط مرايا على سمر كانت تقف أمامها لتنظر لنفسها مما تسبب في موتها. حزن سكر وتوقف عن الغناء، وحزنا كلنا معه. بعد فترة من الحداد، أحضرت له رفيقة جديدة، وكان راقياً جداً في تعامله معها لكن لم يحبها مثل سمر. مرت الأيام، وإذا بي أسمع صوت أفراخ صغيرة قادماً من المنزل الخشبي المثبت داخل القفص. لقد أنجب سكر 6 سكاكر نسخاً طبق الأصل منه، وكان مجتهداً في الاهتمام بها وإطعامها. كان مجتهداً لدرجة أنه نحف وتساقط ريشه ومرض حتى استيقظنا ذلك اليوم وقد غادرتنا روحه.
يفقد الكثير من البشر الأمل في الحياة سريعاً ويغرقون في اليأس والإحباط على الرغم من عطايا الله ونعمه وتكريمه لهم بالعقل والإدراك بينما يعطينا سكر، الطائر الصغير الضعيف المكسور الجناح درساً في الأمل والكفاح والثقة بالله، لن ننساه أبداً!
@Wasema